في الأسبوع الفائت في صحيفة "القبس" الغراء كتب أحد الزملاء مقالاً يطالب فيه بأن تكون ثمة لجنة تضبط أخلاقيات النواب إثر تجاوزات البعض منهم واحتمائهم بالحصانة البرلمانية، وفي المقال نفسه طرح الزميل قصتين من واقع الأمريكان والصهاينة من حيث آليات التشدد في معاقبة أي مسؤول رفيع، خلافا لما هو حاصل عندنا من تساهل، ثم ختم الزميل عموده متسائلاً: هل يلام عندما يعجب بتلك الدول في محاسبتها للكبير قبل الصغير لا ريب أن معظمنا يتفق مع الزميل في مطالبته بلجنة أخلاقيات النواب، إلا أننا في الوقت نفسه لا نتفق معه بالإشادة والاعتراف بالصهاينة وكيانهم المصطنع، وكذلك نختلف مع زميلنا ومع من يدور في فلكه في ترويجهم وإعجابهم الكبير بالنظام الأمريكي وديمقراطيته سواء في داخلها أو خارجها، فعلى سبيل المثال عندما نعود للتاريخ لسرد نشأة الولايات المتحدة نذكر أنه قبل 5 قرون عندما اكتشفها كريستوفر كولومبس فقد قدم اليها بذهنية قديمة اعتمدت على القتل وسفك الدماء البرىئة كما يقول الأستاذ أنيس منصور، وللتوضيح أكثر عندما حضر أرباب البشرة البيضاء لأمريكا قاموا بإبادة ما يقارب العشرين مليونا من سكانها الأصليين من الهنود الحمر!! ولم يتبقّ منهم الآن إلا بضعة ملايين وأحوالهم يرثى لها·
ما أشرت إليه بالطبع جانب من ماضي الولايات المتحدة، أما حاضرها فحدث ولا حرج فهناك حوالي 30 مليونا من السمر الذين ما زالوا يعانون من العنصرية والتهميش إضافة الى هؤلاء نجد أن ما يقارب الـ 20 مليونا أو أكثر من المكسيكيين واللاجئين من القارة الجنوبية لحد الآن لم يحصلوا على الجنسية الأمريكية أي أنهم من فئة "البدون" ناهيك عن الملايين من الفقراء ومن قاطني بيوتات الصفيح ومشردي صناديق الكرتون التي يتسابق عليها مرتادوها كي تكون بالقرب من مجارير الصرف الصحي وذلك للظفر بالأبخرة الساخنة المتصاعدة منها للتدفئة في فصل الشتاء! وإذا سلمنا جدلا بالطرح الذي دأب عليه زميلنا وثلة من الكتاب في امتداحهم الصرامة في تطبيق النظم والقوانين والالتزام بالديمقراطية لدى الغرب، نقول إذا كان كذلك فهذا الأمر يقتصر عليهم وفي داخل دولهم، أما خارج حدودهم فالأمر مختلف، وعليه سوف نذكر بعض الأمثلة ولا سيما عن النظام الأمريكي وللقارئ الكريم الحكم: قبيل الانتهاء من الحرب العالمية الثانية كما هو معروف أن الأمريكان أسقطوا قنبلتين مدمرتين على هيروشيما ونكازاكي في خلال ثلاثة أيام فقد فيها اليابانيون 100 ألف قتيل وأضعاف هذا العدد من المشوهين!! الحرب الأمريكية الفيتنامية والتي استمرت 13 عاما راح ضحيتها 55 ألف أمريكي ونصف مليون فيتنامي!!
الوالدة رحمة الله عليها لديهامقولة جدا منطقية في حق الغرب، تقول الوالدة: إن الغربيين لديهم أشياء جميلة من صناعات وعلوم وطب وذوق وفنون، ولكن حروبهم وسياساتهم الاستعمارية تجاهنا هي المعضلة الحقيقية التي تدمر كل تلك السمعة الحسنة، يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل: إن الغربيين ولا سيما أمريكا ينظرون لنا كعرب ومسلمين بأننا لا نقل تفاهة عن الهنود الحمر وأننا لا نستحق الحياة، والدليل الغزو الصدامي لوطننا الحبيب وإنهاء الاحتلال البعثي، فقد كان سيناريو أمريكي صرف وذلك عن طريق إعطاء الضوء الأخضر من قبل السفيرة الأمريكية غلاسبي حينذاك في بغداد لصدام بأنكم أنتم العرب عليكم أن تحلوا أموركم بأنفسكم "يعني الطاغية يغزو ويدمر ويشتت العرب ومن ثم هم يأتون لتحريرنا من ذلك الكابوس" وحتى لا نذهب بعيدا كيف يمكننا أن ننسى الدور الغربي من قبل أمريكا وأبناء عمومتهم الإنجليز في إطالتهم من أمد الحرب الجائرة على الأشقاء في لبنان الصمود وتزويد الإدارة الأمريكية الصهاينة بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، وأيضا كيف يمكننا أن نتجاهل أشقاءنا في فلسطين المحتلة عندما انقلب الأمريكان عليهم حينما عبر الشعب بأغلبه باختياره حماس للمجلس التشريعي بانتخابات ديمقراطية حرة·
في العام الماضي توسمنا خيرا عندما اعتذرت الإدارة الأمريكية بدعمها لعقود من الزمن للأنظمة المركزية والزعماء المستبدين بيد أن حقيقة تلك الإدارة انكشفت جليا إبان حرب الصهانية على لبنان ودعمها المالي الدائم للعدو والغطاء السياسي اللا نهائي لها، بالتالي ما أتمناه من الزميل والباقين من الذين لا يخفون انبهارهم بالغرب وخصوصا أمريكا ألا ينخدعوا كثيرا بالنجوم المطبوعة على العلم الأمريكي فلا يوجد أبهى وأجمل من نجوم السماء والإحساس بالضمير كما يقول الحصيف كانت·
freedom@taleea.com |