رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 18 ا كتوبر 2006
العدد 1747

بين الفعل.. وردة الفعل
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

تمرّ الأيام سريعًا ونحن لا نشعر بها، ولكن يجب أن يحدث ما يذكرنا بها؛ فقبل عام مضى قامت صحيفة يلاندس بوستن الدانماركية بنشر صور كاريكاتورية مسيئة للنبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بحجة حرية الرأي والتعبير· وقد أعلن المسؤولون في الحكومة الدانماركية حينها أنهم لا يوافقون على الإساءة إلى معتقدات الآخرين ولكنهم في الوقت نفسه لا يملكون إجبار الصحيفة على الاعتذار عن نشر تلك الصور أو أخذ أي ضمانات منها أو من غيرها بعدم نشرها أو نشر صور أخرى مماثلة لها لأن بلدهم يكفل لمواطنيه حرية التعبير، في استهتار تام بمشاعر مليار مسلم يقيم عدد منهم -مهما كان ضئيلاً- في الدانمارك ذاتها·

وما أشبه اليوم بالبارحة؛ فقد قام التلفزيون الدانماركي بالإساءة المتعمدة إلى النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- للمرة الثانية والثالثة أيضًا، في استهتار جديد بمشاعر المسلمين المنتشرين في بلدان العالم المختلفة·

ويبدو أن الإساءات، كالمصائب، لا تأتي فرادى، وها هي ذي أصبحت تتوالى على نحو غير مسبوق كمًا ونوعًا؛ فقد جاءت الإساءة في المرة الأولى على شكل رسوم كاريكاتيرية منشورة في الصحف· وفي المرة الثانية، قام التلفزيون الدانماركي ببثّ شريط فيديو يظهر فيه شبان دانماركيون يقوم أحدهم بتمثيل شخصية الرسول وهو يشرب الخمر، ويلف حوله حزامًا من المتفجرات! أما في المرة الثالثة فقد كانت الإساءة على شكل مسابقة لمن يستطيع أن يقدم أبشع صورة عنه صلوات الله وسلامه عليه·

ولعلنا جميعًا نذكر ما حدث من بابا الفاتيكان الذي أساء أيضًا -سواء كان قاصدًا أو غير قاصد- للنبي وللإسلام والمسلمين تصريحًا وتلميحًا جهارًا نهارًا في تصريحات أدلى بها قبل فترة قصيرة ثارت ثائرة العالم الإسلامي حينها، ثم عادت وخفتت وكأن شيئًا لم يكن!

ولو عدنا بذاكرتنا إلى الوراء عامًا واحدًا، وتذكرنا ردة فعلنا عندما نُشرت الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- آنذاك سنجدها قوية شديدة لدرجة مبالغ فيها؛ فقد اهتاج المسلمون في كل مكان، وأصبح كل واحد منهم على استعداد لفعل أي شيء في سبيل نصرة نبيه الذي تعرض للإهانة على يد شرذمة من الرسامين· اختلفت ردات الفعل آنذاك، ولكنها كانت في مجملها تصدر بالقوة ذاتها، وبالحماسة نفسها، وكان الجميع يحاول أن يبدي رفضه واستنكاره لمثل هذا التطاول على أهم شخصية في العالم الإسلامي· وقد كان استنكار الخطباء في المساجد، وتصريحات شيوخ الدين وأعلامه عبر الفضائيات المختلفة أول ردة فعل عربية إسلامية· ثم بدأت مطالبات عدد من الشخصيات الإسلامية والسياسية والكثير من المنظمات والمؤسسات الدينية، للحكومة الدانماركية بتقديم اعتذار عن تلك الإساءة·

ومن بين ردات الفعل كانت المظاهرات الغاضبة: السلمية وغير السلمية، حُرقت الكثير من الأعلام، وتضررت مباني عدة سفارات في بعض الدول العربية نتيجة تقدم كثير من المتظاهرين نحوها في ردة فعل غاضبة كانت خارج السيطرة تقريبًا·

ومن بين ردات الفعل أيضًا المقاطعة الاقتصادية التي آتت ثمارًا جيدة حين تضرر الاقتصاد الدانماركي نتيجة إعلان معظم الدول الإسلامية، أو معظم الشركات والمؤسسات التجارية في كثير من الدول العربية والإسلامية، مقاطعة المنتجات الدانماركية في رد على تلك الإساءات، وكان ذلك في معظمه نتيجة دوافع شخصية وليس نتيجة توجه حكومي، أي أن ذلك كان رد الفعل الجماهيري والشعبي، وكان أكثر إيلامًا للمتطاولين على نبينا -صلى الله عليه وسلم- من أي رد فعل آخر، لأن مثل أولئك البشر لا يفقهون سوى لغة المال، ولا يؤلمهم سوى أن يتضرر اقتصادهم، وهو الذي أجبرهم على الاعتذار والسعي لتوضيح أن ذلك كان عملا فرديًا ولا يعبر عن حقيقة مشاعر الدانمارك حكومة وشعبًا إلى الدين الإسلامي والمسلمين، أما المطالبة الرسمية بتقديم الاعتذارات فإنها لم تكن -رغم ضرورتها- بفعالية المقاطعة الاقتصادية·

لكننا ما كدنا نشعر بفرحة انتصارنا لنبينا، وبأننا فعلنا شيئًا حقيقيًا له، وبيّنا للعالم في شرقه وغربه ماذا يعني نبيّنا لنا، وكيف يمكن للعالم الإسلامي المترامي الأطراف أن يكون على قلب واحد ورأي واحد حين يتعلق الأمر بنبيه، حتى بدأ بعضنا بقبول الاعتذار المقدم من الدانمارك، ووجدنا الكثيرين من أبناء جلدتنا الذين كانوا من أشد المتحمسين للمقاطعة، قد قبلوا الاعتذار سريعًا، وأعادوا المنتجات الدانماركية إلى رفوف متاجرهم إن كانوا تجارًا، أو إلى رفوف ثلاجاتهم إن كانوا مستهلكين، بحجة أن الدانماركيين اعتذروا ونحن قبلنا اعتذارهم!

هم اعتذروا فعلا، ويمكننا أن نقبل اعتذارهم فعلا، لكننا لسنا مضطرين إلى تجديد العلاقات الاقتصادية بيننا وبينهم، ولن نموت جوعًا ولا عطشًا إذا لم نستورد ألبانهم وأجبانهم·

هل يمكن لردات الفعل الشديدة والغاضبة أن تنتهي بهذه السرعة؟ وهل يمكن أن يمسي الإنسان على طرف، ويصبح وهو على الطرف النقيض؟ ·· أعتقد أن ذلك ممكن، والدليل ما حدث في أكثر الأمور حساسية وإيلامًا بالنسبة لنا، لقد تجاوز معظمنا عن صفعة الإساءة التي تلقوها من الدانمارك، وغضّوا طرفهم عن حقدهم علينا، وقبلوا الاعتذار وأصبحوا يأكلون زبدة (لورباك) وجبنة (البقرات الثلاث)، ويشربون حليب (دانو)، وكأن شيئًا لم يكن!·

لقد ترتب على رجوعنا السريع عن غضبنا وعدم ثباتنا على موقفنا -مع التشديد على فكرة المقاطعة الشعبية للمنتجات الدانماركية- أن أصبحت إمكانية تعرضنا للموقف نفسه وربما أشد منه في أية لحظة واردة جدًا، وهذا ما حدث بالضبط·

إن ردات الفعل الحقيقية يجب أن تكون مؤثرة وفاعلة على المدى الطويل والبعيد، ويجب أن تحدث أثرًا دائمًا مستمرًا ولكن بهدوء دون صخب وجلبة· إن ردات الفعل الحقيقية هي التي تجبر الآخر على أن يغير رأيه تمامًا بالعقل والمنطق، أما اللجوء إلى ردات الفعل المعتمدة على الصوت العالي والهياج الانفعالي دون الاهتمام بأن تحدث أثرًا حقيقيًا فهذا ما لا فائدة منه، لأن تأثيره لن يدوم طويلاً، وربما يكون عكسيًا كما حدث في التهجم على سفارة الدانمارك في سوريا العام الماضي حيث عزز فكرة الغرب عن ارتباط الإرهاب بالإسلام·

الأمر الأخير الذي ينبغي أن نضعه في أذهاننا إزاء مثل هذه المواقف التي نتعرض لها بإيقاع متسارع في هذا الوقت هو أن نتعلم أن التجاوز عن الإساءات العظيمة يؤدي إلى التعرض إلى إساءات أعظم· لقد تكررت الإساءة عدة مرات حتى الآن وجاءت على عدة مستويات، فهل تكون ردة الفعل عندنا متناسبة مع ما يتعرض له رسولنا الكريم من إساءات متتالية وبمستويات مختلفة؟

* جامعة الإمارات

sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

الأفكار الجديدة والتقاليد الموروثة:
فهد راشد المطيري
لماذا الانبهار بالنظم الغربية؟:
محمد بو شهري
بين الفعل.. وردة الفعل:
د. فاطمة البريكي
عكّاش..!!:
على محمود خاجه
رجال الأعمال.. وأعمال الرجال:
عبد العزيز خليل المطوع
..وتهاوت أسطورة جيش النخبة:
عبدالله عيسى الموسوي
أكاذيب ووقائع:
موسى أبو عيد
فرعية جمعية المحامين:
المحامي نايف بدر العتيبي
معبر مخيطر بلا مسيطر:
المهندس محمد فهد الظفيري
إعلام ساقط:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
زيارة عمار الحكيم والعلاقة الكويتية العراقية:
حامد الحمود
إذا كان الشعب لا يبالي:
فيصل عبدالله عبدالنبي
المحاكمة...الظالمة:
الدكتور محمد سلمان العبودي
أجنحة ملكية.. في غير مكانها!!:
سعاد المعجل
الأغلبية المعارضة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال