رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 18 ا كتوبر 2006
العدد 1747

رجال الأعمال.. وأعمال الرجال
عبد العزيز خليل المطوع
???? ??????

"بيل غيتس" إمبراطور مملكة "مايكروسوفت" الذي ناهزت ثروته الخمسين مليار دولار، وتغزو فروع شركته ومنتجاتها ثلاثة أرباع المعمورة، تقول الأرقام أنه يخصص سنوياً مئات الملايين من الدولارات من أمواله الخاصة لصندوقه الخيري الذي أنشأه للإنفاق على الأبحاث العلمية لعلاج الأمراض المستعصية ومكافحة الفقر وغيرها، بل يسعى لجمع المزيد من الأموال والتبرعات له من نظرائه من أرباب الثروة، وأنه أوصى للصندوق المذكور بعد أن يقضي نحبه بما يقرب من  95% من ثروته المرشحة للنماء ربما إلى الضعف مع دنوّ أجله، ثم مؤخراً قرر هذا الشخص الذهاب إلى أبعد من ذلك، ففوض بعض مديريه التنفيذيين القائمين على شؤون مملكته الاقتصادية بمعظم صلاحياته لتسيير أمورها، حتى يجد هو وزوجته متسعا أكبر من الوقت يتفرغان فيه لنشاطهما في مجال العمل الخيري ·

ويبدو أن "غيتس" هذا يقتفي أثر الشاب الاسكوتلندي "كارنيجي" الذي جاء إلى العالم الجديد في نهاية القرن التاسع عشر باحثا عن الثروة، وإذا به يجمع في وقت قياسي350  مليون دولار (بمقاييس الثروة في وقتنا الحاضر، فإن هذا الرقم يجب أن يتضاعف مئة مرة على الأقل) ليكون بذلك أغنى أغنياء عصره، بثروة تفوق ما جمعه أكبر أربعة أثرياء يتلونه في الترتيب، وعندما أنشبت المنية أظفارها في جسده، كان "كارنيجي" قد حوّل آخر دولار من ثروته إلى أكثر من5000  مكتبة منتشرة على امتداد رقعة الولايات المتحدة، بخلاف المدارس ومراكز البحث العلمي والمنح الدراسية·

"بيل غيتس" و"كارنيجي" هذان يصنفان على أنهما من فئة رجال الأعمال، ولا يختلف اثنان على استحقاقهما لهذه التسمية بكل جدارة· ولكن، باستخدام المفهوم نفسه الذي أضفى هذه الصفة على هذين الرجلين، هل يعد اليوم رجل أعمال كل من يسعى إلى مراكمة ثروته ويحرص على تكديسها بكل الوسائل من خلال شركة أو أكثر يمتلكها أو يديرها بغض النظر عن حجمها ودورها في الاقتصاد المحلي، بل غالبا ما تكون موروثا من موروثات العائلة الذي تناقلته جيلا بعد جيل سواء أكان تجارة أو صناعة أو زراعة أو ربما حرفة؟ وهل يصنف على أنه رجل أعمال بغض النظر عن دوره المجتمعي وقناعاته وثقافته التي يدير بها أعماله؟ وكم هم أولئك الذين يسمّون أنفسهم رجال أعمال، بينما لا يكاد يوازي أحدهم عُشر معشار "غيتس" أو "كارنيجي" فيما قدماه لمجتمعهما بل ربما للبشرية ولو من منظور صناعة المجد الشخصي، أو التمادي في الشعور بقيمة "الأنا"؟·

ترى من هو رجل الأعمال في عصر انهيار المفاهيم الاقتصادية السائدة حتى بُعيد الحرب العالمية الثانية، واتساع حركة التجارة الدولية وتزاوج الاقتصاد والسياسة بشكل غير معهود، وظهور المنظمات التي قامت بدور الطبيبات اللواتي أشرفن على تخصيب بويضة العولمة والقابلات اللواتي عملن على توليدها وقطع حبلها السُّري، كمشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا ومنظمة "أويسيدي" لتطوير أوروبا اقتصاديا التي ولدت بدورها منظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ثم ظهور الكثير من التحالفات الاقتصادية بين الدول مع نهاية القرن المنصرم، وبروز الشركات العملاقة كالشركات العابرة للقارات والشركات المتعددة الجنسيات، الذي زامن ظهور مبادئ وقواعد جديدة لانتقال رؤوس الأموال والسلع والأيدي العاملة مع ترعرع العولمة في كنف الغول الاقتصادي الأمريكي، وبزوغ نجمها، وجاهزيتها للتصدير بخيرها وشرها إلى العالم بأسره·

في هذه الموجة التسونامية الهائلة التي ضربت أسس الاقتصاد والأعمال وأبجدياته التي بقيت عصورا راسخة لا تتزحزح، نجد "رجل الأعمال" لا يزال محافظا على مكانته ودوره كمفردة لا غنى عنها من مفردات هذه المنظومة، ولكن مسألة كُنه رجل الأعمال وصفاته بقيت بلا إجابة تشفي الغليل، لدرجة أن المراجع المتاحة لا تكاد تسعف الباحث بإجابة وافية لذلك السؤال الحائر، وأنا بدوري لا أزعم أنني بهذا المقال المقتضب أضع إجابة أو تعريفا، بل أرى أنه يحتاج ربما إلى مؤتمر خاص ليحيط بجميع جوانبه، وما سأفعله هنا هو أنني سأعرض من وجهة نظري، أهم الخطوط التي ترسم بعض ملامح رجل الأعمال الحقيقي من واقع ممارسات رجال الأعمال في العالم المتقدم:

أولاً: رجل الأعمال شخص يمتلك أو يدير مجموعة اقتصادية مكونة من مجموعة شركات ومؤسسات لها نشاط اقتصادي واحد أو أكثر، وهذه المجموعة لها تأثير ملموس على الاقتصاد الوطني سواء من خلال التأثير الداخلي أو الخارجي، وكلما كان مجال عمل المجموعة مؤثراً من حيث النطاق الجغرافي لنشاطها، وحجم الدخل السنوي، وعدد المشتغلين في المجموعة، كلما كان رجل الأعمال هذا أقرب إلى استحقاق هذه التسمية·

ثانياً: هو شخص متسلح بتأهيل علمي أو بخبرة عملية أو بكليهما، ويمتلك خلفيات قانونية واقتصادية ومهارات تجارية وإدارية يبني قراراته ويمارس أعماله على أساسها، ويوجه بوصلة مجموعته الاقتصادية وفق برنامج مدروس في اتجاه طموحاته وتطلعاته، ولا يتنافى ذلك مع استعانته بعدد من المستشارين والخبراء والمديرين التنفيذيين الذين يعملون تحت إمرته·

ثالثاً: هو رجل مستوعب لحركة التاريخ ويتفاعل معها ولو كان عمله محصوراً في الداخل، ولكنه يعي اتجاهات المتغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية، ويدرك تماماً تأثيراتها على أعماله بحكم ارتباطاته ومتابعاته الواعية للمؤثرات والعوامل التي تحرك أسعار العملات والسلع وتكاليف الشحن والتأمين والبورصات، ويتخذ قراراته الاستراتيجية على وحي من رؤاه الشخصية أو قراءته الخاصة لمسارات حركة الاقتصاد العالمي ودوافعها·

رابعاً: هو رجل لا يكتفي بتأثيره المالي والإداري في المجتمع ، بل يتمتع بتأثير وإشعاع اجتماعي وثقافي، لأنه لا ينفصل عن مجتمعه وبيئته التي نبت فيها ونشأ في أكنافها، ولأنه يدين بالفضل إلى هذا المجتمع فإنه يبني قراراته بالتالي على مفهوم أن قيام أعماله وإزهارها كان على تراب هذا المجتمع وبفضل دورة المال التي جاءت أساسا من جيوب أبنائه، لهذا فإنه يحرص على إعادة جزء من العوائد التي يحققها إلى ذلك المجتمع وفق برنامج مخطط في صورة توظيف أبناء مجتمعه ورفع مستواهم المعيشي والمهني، أو من خلال تقديم خدمات مبرمجة للارتقاء بمستوى المجتمع الاقتصادي والتعليمي والصحي والثقافي·

 ولأن المسألة لا تقبل القسمة على اثنين، فإما أن يتحول رجل الأعمال "قارونا" يقول: "إنما أوتيته على علم عندي··" (الآية 78، سورة القصص)، ثم يترك مجتمعه يرمقه بعين الحسد أو الحقد قائلا: "·· يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون··" (الآية 79، سورة القصص)، وإما أن يطبق وصية الله له: "·· وأحسن كما أحسن الله إليك··" (الآية 77، سورة القصص)، ولكن ليس بطريقة بيضة الديك، بل بطريقة مؤسساتية تضمن استمرارية نشاطه المجتمعي بأسلوب إداري ومالي متطور، ولعل أكثر المواقف المؤسفة التي لا تفارق الذاكرة ما حدث عندما أقدمت غرفة تجارة وصناعة دبي على إنشاء كليتها الجامعية في عام 96، ورغم أن الغرفة وسط يعج برجال الأعمال، ورغم أن رسالة الكلية قائمة أساسا على تأهيل كفاءات سيجري توظيفها لخدمة قطاعات الأعمال، إلا أن صندوق الكلية وإلى اليوم لم يتلق من أي رجل أعمال ولا فلسا واحدا كإعانة للكلية على تحمل أعباء رسالتها تلك·· فأين أعمال الرجال من عمل يتفجر خيرا كهذا؟·

�����
   

الأفكار الجديدة والتقاليد الموروثة:
فهد راشد المطيري
لماذا الانبهار بالنظم الغربية؟:
محمد بو شهري
بين الفعل.. وردة الفعل:
د. فاطمة البريكي
عكّاش..!!:
على محمود خاجه
رجال الأعمال.. وأعمال الرجال:
عبد العزيز خليل المطوع
..وتهاوت أسطورة جيش النخبة:
عبدالله عيسى الموسوي
أكاذيب ووقائع:
موسى أبو عيد
فرعية جمعية المحامين:
المحامي نايف بدر العتيبي
معبر مخيطر بلا مسيطر:
المهندس محمد فهد الظفيري
إعلام ساقط:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
زيارة عمار الحكيم والعلاقة الكويتية العراقية:
حامد الحمود
إذا كان الشعب لا يبالي:
فيصل عبدالله عبدالنبي
المحاكمة...الظالمة:
الدكتور محمد سلمان العبودي
أجنحة ملكية.. في غير مكانها!!:
سعاد المعجل
الأغلبية المعارضة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال