لم تكن مبررات إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش التي ساقتها لغزو العراق لتصمد أمام الواقع حيث أثبتت الأيام أنها كانت مجرد حجج ضعيفة وواهنة لإسكات الشعب الأمريكي وتسويق الغزو في أعين الحلفاء· فأكذوبة أسلحة الدمار الشامل سرعان ما ثبت بطلانها إذ لم تعثر القوات الغازية على أي نوع من أسلحة الدمار الشامل التي ادعت الإدارة الأمريكية أن نظام صدام حسين يمتلكها أو أنه في طريقه لامتلاكها وأنها تهدد أمن المنطقة وأمن الولايات المتحدة نفسها ولم تتوصل فرق البحث الأمريكية التي نبشت الأراضي والسجلات العراقية الى وجودها ·
وكذلك الأمر كان بالنسبة لمسألة علاقة النظام العراقي السابق بالإرهاب ووجود صلة بين صدام حسين وقائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن فلم تكن هناك أي صلات بين الرجلين كما أن أرض العراق لم تكن موئلا لأي تنظيمات إرهابية ولم تشر التحقيقات الأمريكية الى وجود علاقة بين العراق وهجمات الحادي عشر من سبتمبر2001 على واشنطن ونيويورك · لكن الذي حدث بعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003 هو انتشار التنظيمات الإرهابية على أرض العراق وهذا ما أكدته16 وكالة مخابرات أمريكية في تقرير نشرته مؤخرا تحدثت فيه عن مسؤولية غزو العراق عن تفريخ عشرات التنظيمات الإرهابية والتي لم يكن لها أي وجود قبل الغزو·
أما الأكذوبة الكبرى فهي حجة نشر الديمقراطية في العراق والقضاء على النظام الديكتاتوري فما نشهده بعد أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام على احتلال العراق هوالدمار والفوضى وضياع الأمن ووجود حكومة ضعيفة لا تملك السيطرة على زمام الأمور في كل البلاد ولا نجد إلا إنذارت أمريكية لحكومة نوري المالكي بضرورة بسط سيطرتها على العراق وفرض الأمن بالقوة فيما تشير التقارير الأمريكية الى أن الجيش العراقي لا يسيطر إلا على %50 من الأراضي العراقية وأنه ليس بإمكانه السيطرة على الأوضاع قبل عام 2012 أو 2015 هذا فضلا عن مئات آلاف القتلى والجرحى وعدة ملايين من المهجرين والمشردين حيث وصل عدد القتلى الى655 ألفا حسب دراسة نشرتها مجلة "لانست" الطبية البريطانية مؤخرا أي ما نسبته 2.5 % من السكان وبمعدل100 قتيل يوميا في الفترة الأخيرة· فأي ديمقراطية هذه التي تفضي الى تدمير البلاد وتخريبها وقتل وتشريد أبنائها؟
لا تستطيع إدارة بوش إخفاء رغبتها الحقيقية من وراء احتلالها للعراق فهي تخطط للبقاء فترة طويلة ولن تخرج من هناك قبل عام 2010 حسب آخر المصادر العسكرية الأمريكية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد طلبت الولايات المتحدة من الحكومة العراقية الموافقة على إقامة قواعد عسكرية دائمة على أرضها وأن الأخيرة ردت بالموافقة على إقامة قاعدتين ضخمتين ومعنى ذلك أن أرض العراق ستكون مقرا لأكبر تواجد عسكري أمريكي في المنطقة ويعزز ذلك بناء أكبر وأضخم سفارة أمريكية في الخارج وذلك في المنطقة الخضراء في بغداد· وفي الواقع فإن القوات الأمريكية لن تخرج من العراق إلا إذا تكبدت خسائر بشرية كبيرة تؤدي الى ارتفاع الأصوات الأمريكية في الداخل المطالبة بعودة الجنود الى ديارهم والرحيل عن العراق·
والهدف الآخر الذي تسعى أمريكا لتحقيقه في العراق هو تقسيم البلاد وتفتيتها الى ثلاث دويلات صغيرة واحدة للأكراد في الشمال وأخرى للشيعة في الجنوب وثالثة للسنة في الوسط وبذلك تكون قد قضت على العراق الموحد والقوي خدمة لمصلحة إسرائيل بعد أن قضت على الجيش العراقي الذي كان يهدد الكيان الصهيوني · وهناك مقترحات تصدر من مسؤولين أمريكيين تطالب بتقسيم العراق رسميا الى ثلاث دول طائفية ·
أما الأهداف الاقتصادية من الغزو فلا تتوقف عند السيطرة على النفط العراقي والتحكم في إنتاجة وأسعاره وإنما يتعدى الأمر لتصبح البلاد نهبا للشركات الأمريكية وحكرا لها بما يضمن لها مصالحها فمعظم مشاريع إعادة إعمارالعراق تنفذها شركات أمريكية وبعشرات المليارات·
لكن السؤال الى أي مدى يمكن لأمريكا أن تنجح في تنفيذ مخططاتها وأهدافها هذه في العراق؟ أعتقد أن الأمر مرتبط بمدى إدراك مختلف القوى العراقية لخطورة الوضع الذي سيؤول اليه مستقبل العراق إذا ما لم يتم الاتفاق على برنامج المصالحة الوطنية بما يضمن مقاومة الاحتلال الأمريكي وسرعة خروج القوات الغازية وإعادة بناء العراق الموحد بعيدا عن الطائفية والمذهبية·
musaabueid@hotmail.com |