تعكس الهيئة العامة لأي مكان أو موقع·· طبيعة دور وعمل ومنزلة ذلك المكان، بمعنى أن ما قد يصلح من بناء وديكور وأثاث لمكان معين قد يكون شاذا بل مقززا أحيانا في مكان آخر· لذلك فإننا لا نرى مثلا مكاتب أو مراكز عمل مفروشة بالقطيفة والحرير· أو بأثاث مُحلى بمياه الذهب وبالشغل الفني الدقيق والمكلف والذي يتطلب مهارة ودقة في المعالجة والصيانة، وإنما نستخدم مواد وأثاثاً مخصصاً للمكاتب وينسجم مع دور وطبيعة عمل تلك المكاتب·
تشهد دول الخليج في الآونة الأخيرة طفرة مذهلة في الإعمار والبناء، لم تكن في أغلبها ناجحة ومثمرة، وإنما انعكست في أحيان كثيرة وبصورة سلبية على بعض البنى التحتية منها والفوقية، بحيث اختلط الأمر لدى الناس، ولم يعد هنالك فاصل يستطيع المرء أن يميز من خلاله بين المستشفيات والعيادات الطبية والعلاجية على سبيل المثال، وبين الفنادق وصالات الأفراح والمناسبات، أو بين دور العبادة والتهجد من جهة، والقصور والمنازل السكنية الفخمة والمرفهة من جهة أخرى؟!
في الكويت وكما غيرها من دول الخليج، تطل علينا ظاهرة بشعة وشاذة سيطرت على سوق الخدمات والمرافق الطبية والعلاجية تجلت في ذلك الإسراف المبالغ فيه في إعداد غرف المرضى والمقيمين في المستشفى، حيث تستخدم أقمشة ومواد بعيدة كل البعد عن شروط التعقيم والصيانة والتي عادة ما تتطلبها مرافق كالمستشفيات ودور العلاج· فمن أعمال خشب محفور وسهل الاختراق من قبل الملوثات والأوساخ الى أقمشة رقيقة وحساسة وعصية على التعقيم والتطهير، وأثاث فخم وشاذ في موقعه داخل تلك المرافق؟·
المثير في الأمر هنا·· أن هنالك تنافساً محموماً ومتسارعاً بين مستشفيات القطاع الخاص لجذب أكبر عدد من الزبائن، ليس من خلال الخدمات والتفوق الطبي والعلاجي، وإنما بواسطة الإسراف المفرط في إعداد الغرف ومرافق المستشفى·
وإذا كان مثل هذا الوضع يشكل شذوذا وخروجا عن المعقول في إعداد دور الرعاية الصحية فإنه يشكل في حالة الإسراف التي أصبحنا نراها في بيت الله الحرام ومحيطه المعماري والاستثماري قمة التجاهل للمغزى الحقيقي والسامي للتعبد والتهجد في هذه البقعة المقدسة· فالتوسع العمراني والفندقي الذي أصبحنا نشهده في مكة المكرمة يتناقض وبصورة كبيرة مع الأهداف السامية والجليلة التي أتى بها الإسلام والتي تدعو الى انصهار المسلمين في كيان واحد يكونون فيه سواسية كأسنان المشط، لا أن ينام بعضهم في الأزقة والشوارع، بينما يسرف البعض الآخر في رفاهية تتفاوت درجاتها بين أجنحة دبلوماسية، وأجنحة أميرية، وأجنحة ملكية، وغير ذلك من صكوك تملك وتأجير تسوقها تجارة استثمارية شرهة في بيت الله الحرام·
لقد ارتفع شأن الإسلام وساد، حين استطاع رسوله الكريم أن يحقق أول مجتمع بشري تسوده المساواة والعدالة الحقيقية، ولم يبق من ذلك الإنجاز العظيم سوى أرض مكة الطاهرة، والتي يهددها جشع المستثمرين الآن، بصورة أصبحت تهدد أسمى معاني الحج والعمرة، سواسية العباد في حضرة الخالق، بعد أن تحولت مساحة البيت العتيق المقدسة الى بازار يتنافس فيه أصحاب بيوت الأثاث والمفروشات، تماما كتنافسهم في تحول أِسرّة المستشفيات البيضاء الى فنادق سياحية من التي تؤمها طبقة الخلق المخملية؟!
suad.m@taleea.com |