قال ما تبتغيه يبدو محالا
قلت إن المحال مأمولي
"فريد الدين العطار"
ثمة ظاهرة تبدو لي حرية بالتساؤل، وهي تتبدى في أن العمل الإبداعي الجماهيري، لا يروق - عادة - لحضرات النقاد، والعكس صحيح كذلك! فالفيلم - مثلا - الذي يروق للنقاد، لا يحبه النظارة ولا يحفلون به! ومن هنا: بات من النادر تطابق رأي النقاد مع المزاج العام لجمهور المشاهدين· ولعل سبب ذلك يكمن في اختلاف المعايير التي يحكم بها كل طرف على المصنف الإبداعي· أقول ذلك بمناسبة الزفة الإعلامية التي رافقت وأعقبت صدور رواية "بنات الرياض" وفيها المدح والقدح· لكن القراء في الخليج والجزيرة العربية أقبلوا بشدة على "بنات الرياض" الأمر الذي اضطر ناشرها الى إعادة طباعتها ثانية، إثر مرور عدة أشهر على صدورها· ولعلها الآن في سبيلها الى الطبعة الثالثة وربما الرابعة! وقد تزامن وجودي في بيروت، الصيف الماضي، مع صدور طبعتها الأولى، وكنت أزور الصديق الورّاق "خالد المغزي" مولى "دار المعري للنشر والتوزيع" الذي أفادني بأنه يتوقع "لبنات الرياض" رواجا ملفتا، لطرافة موضوعها وشكلها ووجدت أن الغلاف الأخير: تتصدره شهادة إيجابية للشاعر الروائي المعروف الدكتور "غازي القصيبي" يقول فيها: (هذا عمل يستحق أن يقرأ·· وهذه روائية أنتظر منها الكثير)· الأمر الذي حرضني على قراءتها، دون أن يعنيني مطلقا اختيار المؤلفة الدكتورة رجاء عبدالله الصانع تقنية صياغة الرسائل الإلكترونية "الإيميلات" لسبك وسرد "الرواية" المتمردة على الشكل التقليدي السائد للرواية، وهو ما أثار حفيظة بعض النقاد الذين سلخوا الروائية بالنقد الصارم، الذي وصل الى حد الزعم بأنها ليس فيها ما يستحق القراءة سوى اسمها الجذاب فقط لا غير! ويبدو أن المؤلفة كانت تحدس بأن عملها الإبداعي لن يروق للنقاد المتمسكين بقوالب الرواية الصارمة ومعاييرها الفنية التقليدية· فنراها تقول في نهاية عملها: (·· أخشى مغبة تسميتها رواية، فهي مجدد جمع لهذه الإيميلات المكتوبة بعفوية وصدق، إنها مجرد تأريخ لجنون فتاة في بداية العشرينات، ولن أقبل إخضاعها لقيود العمل الروائي الرزين، أو إلباسها ثوبا يبديها أكبر مما هي عليه!··) لكن بعض النقاد المتصلبين لم يعبأوا بهذا التصريح الذي حاول أن يحتوي آراءهم المفترضة إلى درجة أنها وسمت روايتها بـ "سمك، لبن، تمر هندي!" هذه الخلطة الأدبية التي أعجبت القراء، ولم ترق للنقاد، وتسببت لهم بعسر هضم وتلبك فني أفضى إلى عدم هضمها فضلا عن بلعها! فقد وجدتها - كقارىء - رواية واضحة شفافة عفوية إلى درجة تشعر المتلقي العادي - مثلي - أنه في حضرة نص يحاكي لغة الحياة اليومية التي يمارسها في كل حين فقرأت الرواية كما شاءت لها الروائىة الواعدة أن تكون: رسائل إيميلية رغم أني جاهل مكعب بتقنية الإنترنت والإيميل ومازلت من قبيلة "بني فاكس"! ومن هناك: بدت الرواية "الإيميلية" الخارجة على قوالب صياغة الرواية المعروفة، قلت لنفسي: ربما هذا نص حداثي، أو حداثي ونص، أو ما بعد حداثي! فكل الاحتمالات ممكنة وواردة في ظن العبدلله·
ولكن كيف تكون كذلك وهي خالية من الغموض والطلاسم والنص المتعالي على القارىء· إن التحدي الذي يجابه الروائىة الشابة الدكتورة رجاء عبدالله الصانع يكمن في قدرتها على المحافظة على الجماهيرية التي التبستها، من خلال روايتها القادمة، متكئين على بشارة "الدكتور غازي القصيبي" القائلة: "هذه روائىة أنتظر منها الكثير" أما النقاد فحسبها معهم أن تقرأ عليهم كفارة المجلس أو "دعاء الحش" بحسب صديقات المؤلفة في الرواية!!
(1) الحش: النميمة الاستغابة |