على مدى ما يقارب ثلاثة أعوام، أي منذ الإطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003 والعراق دولة وشعبا يحاول جاهدا أن يقاوم الانزلاق في جرف حرب أهلية·· يكون فيها الفرز العرقي والطائفي هو القاعدة السائدة، وهو السلاح الذي يحمله أهل العراق في حسمهم لخلافاتهم، وبالرغم من محاولات "المندسين" داخل البنية العراقية لإثارة الطائفية الكامنة في الجسد العراقي، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يحققوا هدفهم هذا، ولم تشتعل الحرب الأهلية - عرقية كانت أم طائفية - فوق أرض العراق·
الآن·· وبعد تفجير أحد أقدس الأماكن الدينية لدى الشيعة والتي تضم مرقد الإمام العاشر "علي الهادي"، والإمام الحادي عشر "حسن العسكري" وبعد تعرض مساجد سنية في مدن متفرقة الى اعتداءات وحرق واحتلال، يعود من جديد السؤال الأكثر إلحاحا، والمتعلق باحتمال اشتعال حرب أهلية عرقية وطائفية في العراق·
احتمال اشتعال "حرب أهلية" في العراق كان من أحد الاحتمالات التي أثارها المحللون قبيل الحرب التي أطاحت بالنظام البعثي في العراق، وهو الاحتمال الذي رفضه الكثيرون استنادا الى تاريخ العراق الذي استطاع دائما أن يحتفظ بتوازنات معقولة على الرغم من توافر كل مقومات الاستثارة الطائفية والعرقية من المجتمع العراقي، فالعراق يحوى من الطوائف الدينية الكثير، شيعة وسنة، ومسيحيين، ويهود بالإضافة الى طوائف الأقليات، كما أنه يحوى تقسيمات عرقية، أهمها العرب والعجم والأكراد وغيرهم، إلا أنه لم يكن مهدا لحروب طائفية هددت كيانه، وإنما كانت الحروب والصراعات في أغلبها·· صراعات قبلية وكما حدث في كربلاء أثر انسحاب العثمانيين منها خلال الحرب العالمية الأولى، حين انقسم أهل كربلاء الى عصبتين متحاربتين، إحداهما من آل كمونة، والأخرى من آل عواد، أي أن الصراعات داخل المجتمع العراقي، كانت - شأنها شأن كل الصراعات في مجتمع الجزيرة - صراعات قبلية، لكنها لم تكن طائفية أو عرقية·
الحديث عن احتمال دفع العراق أو إرغامه على الدخول في أتون الحرب الأهلية، يعني أن ذيول هذه الحرب لا بد أن تشعل كل الدول المتاخمة للعراق، وهو الاحتمال الأكثر خطرا منذ أن اشتعلت جذوة الحرب في العراق·
من الواضح أن الجميع يتحدث إما عن تقسيم العراق كحل للخروج من المأزق الحالي، أو عن التوصل الى صيغة سياسية وأمنية ترضى المثلث السني في العراق من جهة، والأغلبية الشيعية من جهة أخرى، أو عن (أفغنة) العراق أو (لبننتة)، أو فرض الصيغة السويسرية أو الصيغة الأفغانية، وهكذا، كلها محاولات ترمي لسكب الرمل على الوضع الملتهب والساخن في العراق، لكن أحدا لم يقترح قط، بل ولم يجرؤ على الخروج للبحث عن حل للمأزق العراقي من خارج حدوده الجغرافية والسياسية·
ولم يطرح أحد بعد احتمال أن يكون المخرج من الفوضى في العراق هو بتحريك بعض الأوضاع السياسية خارج الحدود العراقية وليس داخلها·
فالتاريخ، أو على الأقل المدون منه، لا يشير الى حروب أهلية - طائفية كانت أم عرقية - اتخذت من العراق مسرحا لها، لذا وفي ظل واقع كهذا، تبقى النتيجة الوحيدة التي تقول بضرورة أن يبحث المحللون عن (الأيادي الخفية) التي أصبحت تقتات وبكل أسف على الدماء العراقية البريئة·
suad.m@taleea.com |