رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 26 ذو القعده 1426 هـ . 28 ديسمبر 2005
العدد 1709

دروس معاوية!
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

تحتار الكثير من الدول في كيفية وطريقة وتوقيت حل أزماتها سواء على الصعيد المحلي أو الدولي· وتعتمد المسألة على أمور كثيرة متداخلة ودراسات تكتيكية واستراتيجية معقدة· ومع ذلك وبجانب شتى وسائل الاحتياط المتخذة إلا أن الأخطار تظل كامنة حتى يتم اتخاذ القرار الحاسم بين اختيار هذه الطريقة أو تلك· وحيث إن معظم الأزمات الدولية لا تحل ولا يفصل فيها في مثل هذه الأيام إلا عن طريقين لا ثالث لهما: الكلمة الطيبة "أو كما يطلق عليها في لغة السياسة: الدبلوماسية" أو السيف "أو كما يطلق عليه في لغة العصر: الحرب الوقائية"، فإن أي خطأ بسيط في اختيار أسلوب التعبير أو القيام بحركة ما خاطئة بالسيف قد تكون قاتلة لصاحبها قبل أن تكون قاتلة لمن هي موجهة إليه! وهناك إشكالية أخرى تتلخص في أن ما قد يعتبر تعبيرا سويا "أو يعبر عن نية سليمة "لدى طرف ما قد يؤخذ على أنه خطأ مقصود لدى الطرف الآخر فتنشب المنازعات وتشن الحروب عليها· وربما تمسح هذه الدولة عن وجه الأرض نتيجة لزلة لسان أو سوء تصرف أو لتعنت· لذا سعت الدول شمالا وجنوبا شرقا وغربا الغنية والفقيرة منها ومنذ زمن طويل إلى التسلح العسكري قبل التسلح الخطابي! فلا رادع للكلمة إلا السيف! والإشكالية الأخرى تتلخص في أنه لا يوجد توازن في القوى بين دول العالم والتسابق على التسلح في أوجه· والدول الغنية بفضل صناعاتها المتقدمة المعتمدة على أسواق دول العالم الثالث والدول الفقيرة وامتلاكها لأسرار صناعة السلاح أصبحت تملك اليوم قرار الفصل في مثل هذه الزلات القاتلة بطريقتها الخاصة واعتمادا على نياتها المضمرة· ولا أحد يعلم متى ستفسر تعبيراتها بالطريقة الخاصة التي يريدها الطرف القوي في صالحه·

ويبدو أن خير وسيلة لتجنب المواجهة مع الدول الكبرى هي الصمت· وهناك دول اضطرت أخيرا إلى اللجوء ليس فقط إلى الصمت المطبق والابتعاد عن التصريحات المتسرعة والمثيرة للغبار والجدل بل لجأت إلى الانعزال التام عن مجريات الأمور· وأقرب مثال على ذلك مواقف العقيد معمر القذافي وتصريحاته السياسية دفاعا عن حقوق المستضعفين في الأرض في مواجهة الدول الصناعية والتي جلبت عليه ويلات الولايات المتحدة ومن معها من الدول الأخرى التي اضطرته بالقوة والحصار إلى التراجع والبقاء في حدود المطلوب منه قوله أو فعله! ولو قرأنا التاريخ لوجدنا أن كثيرا من دول العالم وضعت نفسها في موقف محرج جدا وجلبت على نفسها الحرب والدمار لأسباب تعود في الأصل إلى سوء اتخاذ القرار الصحيح في كيفية معالجة قضاياها ومشاكلها ورفضها أن تسلك طريق الدبلوماسية في تحقيق مطالبها· فقد كانت خطب الزعيم جمال عبدالناصر ومواقفه القومية في الستينات والسبعينات بالرغم من صحتها وشرعيتها في الدفاع عن مصالح واستقلال الدول العربية المستعمرة وبما ألهبت به مشاعر الإنسان العربي الذي كان يتسمر أمام خطبه المؤثرة، إلا أنه دفع ثمن ذلك غاليا وخسرت مصر مساحة كبيرة من أراضيها وحطمت اقتصادها وتخلفت مئات السنين في حروب لم تفلح حتى في واحدة منها ضد دولة صغيرة كـ"إسرائيل" التي استخدمت أسلوب الدبلوماسية الحريرية الباكية مع الدول الصناعية الكبرى التي تعطفت على الظلم الذي تعانيه هذه الدويلة المحاصرة المسكينة المستضعفة، فجندت كل إمكاناتها للدفاع عن كيانها الذي قام أساسا على باطل على حساب شعب بأكمله أضاع ممتلكاته وتاريخه الذي كان قائما أساسا على الحق· والأمثلة كثيرة ولا تحصى على سوء اختيار التوقيت والسلوك والتعبير المناسب الذي جلب الدمار على صاحبه· حتى اليابان كان بإمكانها تجنب قنبلتين نوويتين مدمرتين خلفت في هيروشيما وحدها فقط أكثر من 13,000 بين قتيل وجريح ومفقود وأكثر من 170,000 دون مأوى وتسطحت مساحة تقدر بـ%60 من مساحة المدينة، لو أنها أحسنت التدبير وعرفت أين تضع أقدامها قبل أن تصعق القوة العسكرية الأمريكية "دون سابق إنذار" في ميناء بيرل هاربول بانتحاري الكاميكاز الذين أصبحوا من أعجايب الدهر· والغريب في الأمر أنه في لحظة الهجوم الياباني كان دبلوماسيو اليابان الولايات المتحدة الأمريكية على طاولة المفاوضات بهدف حل الخلافات المعلقة بينهما!! فخسرت اليابان الحرب واستسلمت دون شروط إلى يومنا هذا!

واليوم أصبح التوجه العام ليس فقط نحو الدبلوماسية المرنة لكسب المعارك المعقدة بل إلى توقيت تلك الدبلوماسية· وعلى العرب الذين خسروا كل حروبهم بإذن الله ولم يستطيعوا حتى الآن "وربما لن يستطيعوا في ظل الأوضاع الراهنة" بناء ترسانة عسكرية قادرة على كسب المعارك الصغيرة أن يختاروا سلاح الدبلوماسية الصامتة والابتعاد عن التعابير المثيرة للجدل· وعليهم الخروج من دوائر الضوء والضجيج الإعلامي والعمل في دائرة الصمت والسرية تماما كما تفعل الدول العظمى· فمن منا قد سمع بأنه في عام 1993 اتفقت 12 دولة أوروبية في صمت مطبق لتؤسس اتحادا فيما بينها ليكبر في صمت ويتطور في صمت ويتسع في صمت ليضم في أقل من 15 سنة صامتة وصامدة أكثر من 30 دولة!! وهو ما زال في طريق التوسع·

وليست الحكومات فقط التي يوجه إليها مثل هذا القول: فكل إنسان عربي ومسلم مطالب اليوم بالتروي في إصدار أحكامه واتخاذ قراراته والعمل في صمت بعيدا عن الضجيج الإعلامي والتصريحات المتسرعة التي لا تشبع ولا تغني من جوع هذا إذا لم تقتل وتهدم ما قد تم بناؤه فينقلب السحر على الساحر· وفي تاريخنا كثير من رجالات الحكم والسياسة الذين نجحوا في بناء دولتهم اعتمادا على نظرية الدبلوماسية والصمت· ويعتبر معاوية بن أبي سفيان واحدا من كبار منظري الدبلوماسية في التاريخ القديم والحديث· فكيف استطاع هذا الرجل المولود في الصحراء العربية القاحلة والذي لم يقرأ لفلسفات الغرب أن يكتشف أن بين كل طرفين من البشر توجد شعرة متناهية في الصغر يجب الإبقاء عليها دون أن تنقطع، وأن هذا الرجل قد أقام دولته على تلك الشعرة القصيرة؟!

 

dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

دروس معاوية!:
الدكتور محمد سلمان العبودي
الندوات الهادفة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
أزمة مع التاريخ:
سعاد المعجل
هل يريدون بيع البلد؟!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
محكمة يُنعت فيها الشهداء بالكلاب!!:
محمد بو شهري
المواءمة·· "لولا الوئام لهلك الأنام":
مسعود راشد العميري
حكومة الدوائر:
يوسف الكندري
ماذا لو لم يكن أحمدي نجاد؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
مفترق طرق:
عبدالعزيز حميدان الدلح
حب إيه···:
د.ابتهال عبدالعزيز أحمد
باختصار نحتاج إلى···:
محمد جوهر حيات
عندما نخطئ:
المحامي نايف بدر العتيبي