لكن ما شدني للحوار هو اتفاق الأطراف جميعا على أن النظام الانتخابي في لبنان يكرس الطائفية من خلال توزيع الكراسي للطوائف في الدوائر وبالتالي ينتج أن اللبناني ينتمي للولاء للطائفة وليس للدولة وهذه خطورة يجب تداركها بعدما استفحلت الطائفية بلبنان على حسب رأي ضيوف البرنامج· وأجمعوا على أنه لابد من إلغاء هذا النظام واستبداله بآلية جديدة للانتخاب تقوم على الوحدة الوطنية والبرامج الجادة للأحزاب ودللوا على ذلك بما يحدث في ألمانيا والهند وحتى إسرائيل· وبصراحة عند استماعي للحوار كنت أتذكر حالنا بالكويت والوضع البائس للدوائر· ليت ضيوف البرنامج يقومون بزيارة للكويت خلال فترة الانتخابات ومعايشة الوضع بعيدا عن وسائل الإعلام الرسمية حيث إنها تصور أن الانتخابات قمة بالديمقراطية والنزاهة· لكن الوضع عندنا للأسف "من برة هالله هالله ومن داخل يعلم الله"· فبعد تعديل الحكومة للدوائر في بداية الثمانينات أصبح لدينا مجلس أمة يعتمد على القبيلة أو الطائفية أو العائلة· حيث كان يفوز صاحب الأكثرية العائلية أو القبلية بالانتخاب ولم تكن تحتاج في ذلك إلا لبعض التحالفات مع الأقلية المهمشة بالدائرة ليس بهدف الفوز بل كان الغرض الاكتساح· ولكن مع مرور الوقت وخاصة الفترة التي تلت الغزو العراقي للكويت وإجراء أول انتخابات نيابية دستورية بعد حل مجلس 86 سمعنا عن ظهور مرشحي الخدمات· حيث كانت مهامهم تخليص معاملات الأفراد في أروقة الوزارة وبروز ظاهرة شراء الأصوات في إحدى الدوائر وكان سعر الصوت لا يتعدى 250 أو 300 دينار· لكن مع مرور الوقت أصبح الفرد سواء مخالفا للقانون أو صاحب حق يلجأ للنائب لتخليص معاملاته والنائب يقوم بكل رحابة صدر بكسر القانون لأن المواطن من جماعته وبمباركة من الحكومة المشجعة الأولى لكسر القانون· وليت أمر شراء الأصوات توقف بدائرة واحدة بل انتشر كالسرطان حتى بتنا نسمع أن سعر الصوت وصل مبلغ 1500 وقبل التصويت بيوم 3000 دينار· والأدهى والأمر من ذلك أن عملية شراء الأصوات تتم بشاليهات متنقلة موضوعة أمام المدارس وأمام الملأ أو تتم بالحمامات داخل المدرسة أجلكم الله "ولا تعليق"· هذا بالإضافة لنقل الأصوات والتلاعب بكشوفات الناخبين و الهدف من ذلك وصول الرجل غير المناسب للمكان المناسب· والسؤال الذي يطرح نفسه لمصلحة من كل هذا التلاعب والرشوة خلال وبعد الانتخابات؟ هل هو لمصلحة قلة من الناس يريدون وكلاء لهم بمجلس الأمة يأتمر بأمرهم والثمن ضياع البلد؟ أم هناك ناس بالسلطة لا تؤمن بالدستور وبحقوق الأمة الدستورية؟ أم الشعب الذي أصبح غالبيته يفتخر بالولاء والطاعة للقبيلة أو الطائفة؟ لكن للأسف كل ما طرحته بالسابق الحكومة تعلم عنه وأجزم أنها تباركه· حتى قامت قبل فترة بإطلاق إشاعة أنها ستعدل الدوائر بعدما أصبح الحديث عن الخدمات والرشاوى ونقل الأصوات يتناقل على كل لسان وأصدرت بيانا مفاده أن توزيع الدوائر الـ25 سبب رئيسي للرشوة ونقل الأصوات والخدمات المخالفة للقانون وبروز الطائفية والقبلية وغيرها من الأمور التي تضر المجتمع·
كل هذه السلبيات المذكورة أتت على لسان الحكومة وهو اعتراف بالوضع المزري للعملية الانتخابية· لكن للأسف عند التصويت قامت الحكومة بإفشال عملية التصويت وكان العذر أن النواب غير متفقين على موضوع الدوائر· "عذر مضحك ومبك في الوقت نفسه"، وبدور الانعقاد الحالي قامت الحكومة نفسها بإطلاق النية نفسها لتعديل الدوائر وتحركت القوى السياسية لترتيب الأوراق بهدف التعديل لكن وفي آخر لحظة تم تأجيل الموضوع لنهاية شهر يونيو من العام القادم والعذر هذه المرة هو تسجيل النساء بكشوفات الناخبين "العذر بالجيب"· وبالنهاية أود أن أقول لكل حالم بأن الحكومة لديها نية جادة وصادقة بموضوع تعديل الدوائر بأن حلمه سراب وضرب من ضروب الخيال· لأن الحكومة لا تريد التفريط بنواب يأتمرون بأمرها ولا تريد للنواب الإصلاحيين الوصول لمجلس الأمة بهدف السيطرة على المجتمع وعلى الانتخابات· ولا أقول إلا الله كريم· |