عندما نخطئ القراءة والتحليل والتوجه، رغم توافر المعلومات المؤكدة، فإننا وبكل تأكيد بعد التجربة العراقية لا يمكن أن نندفع باتجاه تأييد تغيير وإطاحة أي نظام عربي مهما كان هذا النظام ومدى دكتاتوريته وظلمه وعنجهيته لأن المقبل أشد فتكا في جسم المجتمع إذا كان بمساعدة مباشرة عبر التدخل العسكري الأجنبي·
الشعوب العربية تستطيع التغيير بمساعدة دول وشعوب العالم المتحضرة بالتأييد والدعم والضغط دون مساعدة عسكرية وحروب ودمار وبالتالي يمكن لها أن تؤسس أنظمة ديمقراطية حقيقية بإرادة الشعب دون تدخل مصالح دول أخرى تتحكم في مصير هذه الدولة أو تلك وتمزق وحدتها الوطنية وتبعثر مصالح شعبها وخيراته كما يحدث للعراق، وعندما نخطئ علينا الاعتراف والمراجعة·
اليوم نرى أن الوضع القائم في العراق لا يختلف عن الوضع الذي كان عليه إبان نظام الطاغية، الفرق أن نظام صدام كان يرفع شعار القومية العربية والدفاع عن مصالح الأمة حسب منظوره لاستمراره وبقائه، بينما النظام اليوم في العراق يرفع شعارات طائفية ومذهبية أيضا لاستمراره!
هل أخطأنا في تأييدنا شن الحرب ضد نظام الطاغية وإسقاطه وكنا وقتها نعتقد أن العراق حتما سيتجه نحو الديمقراطية الحقيقية والتعددية والحرية ومؤسسات المجتمع المدني التي تؤثر في صناعة القرار وتمثل جميع شرائح المجتمع، قد يكون ذلك لأن الذي نتج عن العملية أن العراق استغرق في التخلف والرجعية والظلامية وأصبح القتل على الهوية سائدا في وطن لم يعرف ذلك من قبل·
اليوم يزداد نفوذ رجل الدين ودوره في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في وطن تكثر فيه الطوائف والقوميات ولم يعد دوره مقتصرا على تقديم النصح والإرشاد والفتوى لمن يطلب منه ذلك من اتباع طائفته ومذهبه دون تدخل في معتقدات وطرق الآخرين·
واليوم في العراق تغيب الأحزاب المدنية ويقل تأثيرها بسبب الشحن الطائفي والمذهبي ويظهر التطرف جليا في حديث الساسة والقادة الجدد، كل يحتكر الحقيقة المطلعة ولا يترك للآخر سبيلا لمحاورته ومجادلته مما قد يدفع نحو حرب أهلية وقودها المواطن العراقي الذي كان يحلم بدولة العدل والمساواة والرخاء والرفاه، فهل ينتهي حلمه في ظل نظام يعتمد على المحاصصة الطائفية والقومية؟ وما النتائج المرجوة من هكذا نظام؟!
nayef@taleea.com |