| المسميات لها دلالات معينة تكون رابطا بينها وبين حاملها، ولكن بالعالم الإسلامي كثير من المسميات شوهت الى درجة جعلتها تعطي دلالات سلبية، فكلمة ديمقراطية التي تعني حكم الشعب وتداول السلطة حُرف معنى الكلمة بالعالم الإسلامي ليكون معناها العملي ديمومة الحاكم بالسلطة، وتجد أكثر الدول دكتاتورية بالعالم الإسلامي والعربي تضع مسمى (جمهورية) فلو سمع أفلاطون عن ممارساتهم لخرج من قبره مدافعا عن نظريته والتصدى للتشويه الذي أصاب جمهوريته، وتجد أسامة بن لادن يعين أبو مصعب الزرقاوي أميرا للمؤمنين بالعراق وطبعا هنا المقصود أمير للمؤمنين بالإرهاب وليس المؤمنين بالله، فهو بإمرته هذه ينطبق عليه قول الشاعر:
قد بلينا بأميرٍ ذبح الناس وسبح
فهو كالجزار فيهم يذكر الله ويذبح
ومن المسميات المقلوبة بالعراق مسمى المقاومة الذي يتشدق به الإرهابيون فهو لا يعني سوى مقاومة العدالة والإصلاح والتطوير والديمقراطية والحرية، وتجد بعض أهل الجهل من الذين ليس لهم من العلم حظا، يضع لنفسه لقب (علاّمة) وهو لو وضعته في ميزان العلم تجده لا يستحق حتى الحرف الأول من اللقب ولكنه علامة باستغفال البسطاء ولعب دور العالم، ففي عالمنا الإسلامي استغلال الألقاب والمسميات شيء مألوف، ففي زمن حكم صدام التكريتي عندما كان بيل كلنتون رئيسا لأمريكا أجرى أحد الصحافيين مقابلة مع أحد أزلام النظام البعثي في العراق وفي أثناء المقابلة وجه سؤالا للصحافي، ما مدى حرية التعبير في أمريكا؟ فأجاب الصحفي: إن المواطن الأمريكي يشتم بيل كلينتون بالشارع أمام الناس ولا أحد يتعرض له من الشرطة، فقال البعثي: نحن أيضا المواطنون عندنا بالعراق يشتمون بيل كلنتون بالشوارع أمام الناس ولا تتعرض لهم الشرطة، فنحن متساوون مع أمريكا في حرية التعبير!
كثيرون من مثقفي التجهيل والتزييف بالقنوات الفضائية ووسائل الإعلام لا يختلف طرحهم عن هذا البعثي، فأنت ترى الإبادة الجماعية ضد شعب بأكمله يعتبرها مثقفو التزييف تصدياً لتمرد الغوغاء، تخيل لو أن مثقفا فرنسيا أو أوروبيا يقول عن الشعب الفرنسي الذي ثار ضد الظلم الملكي إبان الثورة الفرنسية إنهم غوغاء وهذا تمرد وليس ثورة تحرر وطلب عدالة وإخاء وحرية، ماذا تكون ردة الفعل الفرنسية؟ لقد وصل الانحدار ببعض المثقفين العرب الى درجة أنه يشطب على انتفاضة شعب مظلوم وعلى شهداء قاوموا الظلم البعثي بالعراق بجرة قلم على أنهم غوغاء متمردون جاءت جيوش صدام تتصدى لهم حفاظا على الأمن، وكل المقابر الجماعية هي أنصار صدام الذين قتلهم الغوغاء المتمردون، لقد أصبح أمرا معتاد الآن أن تسمع مثل هذا الكلام بالقنوات العربية لأن التلاعب بالألفاظ أمر يحترفه هؤلاء واستخدام المسميات بالمقلوب أمر بسيط لديهم، فالكويت تساهم في تحرير الشعب العراقي من الظلم، ولكن مثقفي التجهيل يعتبرونها مساهمة في احتلال الأمة الإسلامية، ومن يَقُم بعمليات إرهابية وتفجير نفسه لقتل الأبرياء من المسلمين يُقَم له مجلس عزاء لأنه شهيد! لقد وصل الحال بنا إلى أن المسميات السامية الراقية بسبب كثرة استخدامها بأمور سيئة أصبح المسلم لا يستطيع نطقها، فالجهاد والشهادة والكرامة شُوهت الى درجة أصبحت دلالاتها في العالم شيئا سلبيا وليس إيجابيا·
machaki@taleea.com |