| يعيش الناس من أبناء جلدتنا في عالمنا العربي المعاصر بمرض مزمن ومعد يسمى بالهوس بنظرية المؤامرة Conspiracy Theory وهي في الحقيقة تفسيرات جاهزة وضعناها في جيوبنا نمد أيدينا إليها بحركة لا إرادية كلما اصطدمت عقولنا بأمور غامضة عجزنا عن إيجاد إجابات منطقية لها، لكي تشفي غليلنا، فلا يكاد أحد هؤلاء المرضى يسمع خبرا يتعلق بصراع أمتنا مع أعدائها حتى يسارع الى تقديم تفسيره الجاهز المعلب لهذا الخبر، فيقول إنها مؤامرة أو مسرحية افتعلها العدو لإرغامنا على العيش في عالم مليء بالتناقضات والتعقيدات، وهو دائما ما يردد هذه المقولة من دون أي كلل أو ملل·
كما يعاني المرضى بهذا الداء من الانبهار الشديد بعضلات العدو، فيتصورون أنهم أقل بكثير من قوة وفطنة العدو، وعادة ما يصاب هؤلاء المرضى بالعزوف عن سماع ومشاهدة الأخبار، لأنهم يشعرون أنهم يتفرجون على فصول لمسرحيات لا حقائق، وأن الكل يحاول أن يخدعهم "وذلك على حد تعبيرهم"، ونحن بدورنا هنا لا ننكر أن أعداءنا قد حققوا انتصارا كبيرا علينا، عن طريق المؤامرة التي كانوا يفتعلونها بمعية حفنة من أبناء أمتنا، ولكن ما ندعو إليه هو تحكيم العقل لاسيما في تحليلنا للوقائع والأحداث المختلفة·
هناك الكثير من الأمثلة التي خرجت من رحم هذه الأمة والتي تمخض عنها تفسيرات تدعو للضحك والسخرية مثل "حرب تحرير العراق والقبض على صدام حسين"، فالكثير من الناس ومحللينا السياسيين قاموا بتوجيه أصابع الاتهام الى الولايات المتحدة، لأنهم يعتقدون أن هذه الحرب كانت عبارة عن مؤامرة أمريكية متفق عليها من الجانبين وكأن أمريكا تحسب لنا ألف حساب وليس لها أي عمل إلا أن تبرر أفعالها ضدنا، وهي في سبيل ذلك التبرير مستعدة للتضحية بالآلاف من أبنائها، وإنفاق مئات المليارات من أموالها، ولعل المضحك في ذلك أن جميع الأحداث التي تعاقبت الحرب سواء من دخول بغداد أو القبض على صدام أو قتل ولديه وتشريد عائلته لم تكن كفيلة بأن تقنعنا أن ذلك الشيء لم يكن مؤامرة كما كنا نتوقعها·
وها هي تلك المشاهد تتكرر اليوم من جديد حيث تقوم بعض الجماعات الأصولية بمطالبة القوات متعددة الجنسية وعلى رأسها الولايات المتحدة بالخروج فورا ومن دون أي مهلة من العراق، حيث تعتقد أن أمريكا هي من خلقت إجراء الفوضى التي ضربت بأطنابها أرجاء العراق، ولا أعلم في الحقيقة من سيقوم بإعادة الأمن الى العراق إذا خرجت هذه القوات في الوقت الراهن، فهل تلك الجماعات هي التي ستتكفل بالقضاء على ظاهرة الجماعات الإرهابية هناك؟ وهل هي قادرة على إعادة أجواء الأمن إليها؟ مجرد سؤال ليجيب عنه أصحاب المؤامرة·
ü كاتب كويتي وباحث في العلاقات الدولية
awad4444@hotmail.com |