جاءت براءة كلينتون على أساس عدم كفاية الأدلة المقدمة من مجلس النواب لإثبات أنه ارتكب أي من الجريمتين المنسوبتين إليه· والأولى منهما "الحنث باليمين" وهو مفهوم يقارب شهادة الزور في قانون العقوبات المصري، قد حلف ويده على الكتاب المقدس "أن يقول الحقيقة، كل الحقيقة ولاشيء غيرالحقيقة"، وكذب في أقواله أمام هيئة المحلفين، والثانية، "عرقلة" الوصول إلى الحقيقة" أو ما يسمى عندنا التأثير على الشهود· ونذكر هذا لاستبعاد ما أشاعته وسائل الإعلام في الوطن العربي من أن الاتهام "من مجلس النواب" والمحاكمة "أمام مجلس الشيوخ" كانت عن جريمة الزنا، أو ما تسميه أجهزة الإعلام "العلاقة الجنسية" مع متدربة في البيت الأبيض· وجريمة الزنا التي يرتكبها متزوج ذكراً كان أم أنثى كانت مؤثمة في تشريعات الولايات الخمسين· ثم ألغيت في عدد كبير منها رسميا أو بامتناع المدعين العامين عن أن يقدموا المتهم فيها للمحاكمة· كما أن تطورالقيم في المجتمع الأمريكي من التزمت البروتستانتي عند نشأة الدولة إلى التسليم بأن الزنا لم يعد إثما لانتشاره في أجواء ما سمي في الستينات من هذا القرن الثورة الجنسية·

واعتقد أن كل من شاهد مجلس الشيوخ على هيئة محكمة برئاسة قاضي القضاة "رئيس المحكمة العليا" وسمع مناديا مهمته الإعلان عن بدء الجلسة، والقس الذي يصلّي داعيا الرب لمساعدة الأعضاء في الوصول إلى الحقيقة، ثم أحد أعضاء مجلس النواب "ضمن وفد من  المجلس يسمى مديري الاتهام" يسرد الوقائع والأسانيد التي تثبته· كما إن المشاهد لاحظ بلا شك عدم وجود محامين مع الاتهام أو الدفاع· ولتفهم هذه الأوضاع الغربية لابد أن نتذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة ديمقراطية نشأت من دون ملك ودون استناد على أمة قومية واحدة وحرص دستورها على توفير سيادة القانون وتداول السلطة في كل المستويات عن طريق الانتخابات المتكررة، وعلى أنها اتحاد كونفيدرالى من 14 ولاية "وهذه ترجمة غير دقيقة لأنها تسمى في الدستور دولا"· ومن ثم الحرص لدى نشأتها على تضييق صلاحيات السلطة الاتحادية، فنصوا على أن القاعدة العامة  هي اختصاص سلطات الولاية في التشريع والتنفيذ والقضاء والاستثناء هو سلطة الحكومة الاتحادية، وقد عدل الدستور أكثر من عشرين مرة في المائتي عام التي مضت على إعلانه·

ومع تطورالبلاد وتشابك العلاقات وسرعة الانتقال والاتصال اتسع نطاق السلطة الاتحادية منذ انتقال وضع الدولة من كونفيدرالي إلى فيديرالي· ومع ذلك فمجلس الشيوخ يمثل الولايات بواقع عضوين عن كل ولاية أيا كان حجمها أو عدد سكانها·

وكان من وسائل مقاومة تضخم الهيئات الاتحادية عدم التوسع في الإنفاق العام· ومثال ذلك أن من صاغوا الدستور وجدوا أن نائب الرئيس ليس له عمل محدد إلا انتظار الانتخابات الرئاسية أو موت الرئيس أو عجزه عن أداء مهامه "جونسون بعد مقتل كيندي" ولذلك كلفوه برياسة جلسات مجلس الشيوخ من دون أن يكون له صوت فيه، وبالمثل عند ارتكاب الرئيس جريمة يتولى مجلس النواب التحقيق وتوجيه الاتهام· ويتولى مجلس الشيوخ مهمة المحلفين والقضاة معا· ويرأسه في هذه الحالة رئيس المحكمة العليا ــ التي يعين قضاتها ـــ من دون أن يكون له صوت يحسب عند التصويت على الحكم·