بعد فوز ايهود باراك برئاسة الوزراء في إسرائيل انبعثت آمال عظام حول إمكانية تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط·· هناك بعض من هذه الآمال من التفاؤل المفرط وخداع الذات، لكن هناك آمالا منطقية بإمكانية تحقيق سلام قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تغييرات مهمة في أوضاع المنطقة ويضعها على خارطة العالم المتمدين الذي ينشد الاستقرار والتنمية·· لكن العرب في خضم سعيهم إلى إنهاء صراعات طويلة مع إسرائيل، وهي صراعات أكلت الأخضر واليابس وعطلت عملية التطور الاقتصادي ووضعت قيوداً عقيمة على التطورين السياسي والاجتماعي في المنطقة، هذا السعي جعلهم يتناسون الخلافات العميقة في أوساطهم، ولذلك لم يتعمقوا في فهم هذه الخلافات التي تحول دون اتفاقهم على قضايا أساسية·
وكما هو معلوم أن العنصر الأساسي الذي يعمق الخلافات العربية العربية هو طبيعة الأنظمة السياسية التي تهيمن على عدد من الأٍقطار العربية· هناك العديد من الأنظمة التي جاءت نتيجة لتأزم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في عدد من الدول العربية في منتصف القرن العشرين وما بعده، ووصلت إلى السلطة على ظهر الدبابات وبواسطة الانقلابات العسكرية·· ولا شك أن فقدان الآلية السياسية المناسبة، مثل إمكانيات الانتخابات التشريعية وغيرها أو وجود حريات ديمقراطية، أدى إلى قبول الشعوب بهذه التغيرات القومية غير المواتية كما بين لنا تاريخنا المعاصر·· ولذلك فإن مزاجية الحكام الجدد الذين اتسموا بالشعبوية وتقديس الذات قد حطم إمكانيات للتفاهم حول قضايا عربية رئيسية، ومن أهمها كيفية مواجهة الصراع مع إسرائيل·
وكما يقال، نحن أبناء اليوم، هل يمكن أن نتوقع من التطورات الجديدة أن يصبح السلام المتوقع في المنطقة أساساً لانطلاقة تنموية واسعة وبناء حضارة عربية تستند إلى قيم ومفاهيم العصر الحديث؟ لا شك أن مثل هذا التطور قد يكون أساساً لفهم السلام وتحدياته، وليس هناك دلائل على ما يبرر مثل هذه الآمال·· إن منطقتنا العربية لاتزال تعاني من مرض الحكم الديكتاتوري، وفي أحسن الأحوال الشمولي، ولذلك حتى التطورات باتجاه الديمقراطية مازالت شكلية ومحدودة القيمة·· كما أن مجتمعاتنا العربية لاتزال بعيدة عن فهم استحقاقات الديمقراطية مثل احترام الرأي الآخر وحقوق الأقلية بالتعبير عن ذاتها، أو التسامح بمفاهيم الواسطة·· إذاً فإنه ليس غريباً أن تقدم فئات واسعة من الجماهير قيادات حكمت بواسطة التعسف والقمع والإرهاب·
ويفرض السلام على العرب أن يحددوا أولويات جديدة في صراعهم مع العصر، ومن هذه الأولويات كيفية توظيف التعليم من أجل بناء نهضوي يتوافق مع إمكانية مواجهة الآخرين، أو على الأقل القدرة على منافسة هؤلاء الآخرين في ميادين الاقتصاد والتنمية الشاملة·· وإذا كان هناك أكثر من ستين مليونا ممن يعدون أميين أبجدياً، دع عنك الأميين ثقافياً وتقنياً، فكيف يمكن جعل التعليم أداة مناسبة لتطوير البشر بكافة فئاتهم على مدى السنوات القليلة القادمة؟ ولابد من الإقرار بأن معركة التعليم ستكون الأصعب نظراً لما يكتنفها من معوقات اجتماعية وقصور الفهم حول استخدام الإمكانيات المالية والاقتصادية لتوظيفها في مجال التعليم·
هناك أولويات أخرى ومن أهمها بناء نظام سياسي في مختلف البلدان العربية قادر على استيعاب متطلبات البشر وتمكينهم من التعبير عن همومهم على كافة المستويات، وهو نظام لابد أن يقر بحقوق الاختلاف والتعدد·· وإذا لم نقبل الديمقراطية كأساس للحكم خلال هذه الحقبة من تاريخ الإنسانية فإننا لابد أن نتخلف في ميادين أخرى عدة ولن نستطيع أن نلحق بالآخرين في بلدان عدة، حتى تلك البلدان التي مازالت تعد من البلدان النامية المنتمية للعالم الثالث·· وعندئذ لابد أن نعترف بأننا لم نعِ استحقاقات السلام! |