أثار الجدل الثائر حول مشروعات وزارة الثقافة فيما اسمه "باب العزب" الرغبة القديمة في معرفة معنى العزب· فهو أحد الأوجاقات "- أي الكتيبة باللغة العربية· وكان من السهل أن يعرف المرء الانكشارية· والمتقرقة، وأيضاً بشيء من التقريب الشاويشية· أما العزب فلم أقرأ لها تفسيراً ولاسيما أن اللسان العربي لوى كثيراً من الكلمات التركية· ثم ذكرت أنني قرأت شيئاً عن ذلك في مؤلف المستعرب الكبير أندريه ريمون (جزءان) عن الرأسمالية في مصر في منتصف القرن الثامن عشر أي قبل الحملة الفرنسية بعدة عقود، وقد قرأت الكتاب المرجعي عقب صدوره· وكان من أهم ما جذبني فيه من جديد هو إثبات (بالوقائع والأرقام) أن البورجوازية المصرية لم - تكن اقتصادياً على الأقل - مثل البورجوازية الفرنسية· وقد استوقف الأمر ذاته الصديق الكبير سمير أمين· ومن هنا بدأنا كل من جانبه في إعادة نظر شاملة لتلك الفترة التي تعلمنا أنها من أحط فترات التاريخ المصري· ودعانا هذا إلى رفض مقولة إن نابليون قد فتح عيون مصر على الحضارة الحديثة (أي الرأسمالية الغربية)، وفهمنا كيف أيدت الرأسمالية المصرية مشروع علي بك الكبير ووقف وراءها جزء كبير من الشعب لاسيما في الصعيد· كما بدا لنا ضرورياً إعادة تقييم دور محمد علي في ضرب هذه الطبقة وإضعاف نفوذها·· وصرفنا كل ذلك عن البحث في معنى العزب·
ولما فتحت الكتاب بالأمس القريب علّي أجد تفسيراً لكلمة العزب، فوجدت أنها الرجال غير المتزوجين، أو ما نسميه في اللغة الدارجة العزاب· وعدت إلى معجم "الصحيح" فوجدت النص: "العزب من لا أهل له، والعزبة التي لا زوج لها"· وكان طبيعياً عزل مكان معيشة الأسر عن مكان سكن العزب، فكان متعيناً أن يسكنوا بعيداً عن غير المتزوجين· وبعد هذا الوضوح ثار في ذهني المعنى المقصود من كلمة "باب" في قولهم باب الانكشارية وباب العزب، وهل هو باب دخول وخروج كما نعرفه بالعربية؟ ودخول إلى أين وخروج من أين؟· ومرة أخرى أسعفني كتاب المستعرب الصديق، فهو في فهرس الكلمات يميز بين الاستعمال التركي لكلمة "باب" إذ هم يعنون بها الثكنة العسكرية· ومن المقطوع به أن "باب" الانكشارية كان ثكنة للعسكريين وأسرهم، وباب العزب كان ثكنة "من لا أهل لهم" وكانت الثكنات جميعاً جزءاً من القلعة التي لم تكن في يوم من الأيام حصناً يصمد للمهاجمين وإنما كانت مدينة محصنة بها القصور والمساكن والمساجد وقوات مسلحة وخدم وحاشية وعبيد سود ومماليك بيض· |