| الثقافة في جوهرها نقدية·· وفقاً لمسارات تحولاتها النوعية في المجتمع·· والمثقفون يشكلون محراك هذا التحول والتجدد في حياة الناس ومفاهيمهم·· والثقافة من حيث جوهر صيرورة نقدية متحول كمها وكيفها·· تُدير قيما وطنية وعاليمة وتوجهاتها الفكرية والتنويرية في وعي الناس وتُجدد مفاهيمهم وفقاً لحركة التاريخ!!
إن صفة المثقف كونه المحرك لنقدية الثقافة·· تنتفي عنه - حتى ولو تجلبب وتأنق وتباهى بهندامها - عندما يلتبس في عمله الثقافي والنقدي·· ويحترب في محراب مناوئ في جوهره لمحراب نقدية مصداقيتها!!
الكم الثقافي يحمل أكثر من وجه ولون ثقافي ملتبس·· خلافاً للكيف الثقافي الذي يحمل وجهاً ثقافياً واحداً ناصعاً في مصداقيته!!
كثيرون من المثقفين الذين يختبؤون خلف ستائر الكم الثقافي·· ويتمظهرون بخطاب الكيف الثقافي في حواراتهم وكتاباتهم لترويج بضاعتهم الثقافية الملتبسة·· المثقف الملتبس يمكن أن يخفي وجهه شيئاً من الزمن وليس كل الزمن!!
وإذا كان "المستقبل كشافا" كما يقولون فإن الثقافة كشافة أيضا" لأنها ترتبط بمصداقيتها في مصداقية مستقبل صادق إنساني جميل!!
وعلى مدار احتراب وحدة وتصادم صراع كم وكيف الثقافة في عمر التاريخ··تهاوت ثقافات وتصاعدت ثقافات·· وتكشفت سوءة عشرات المثقفين هنا وهناك!!
إن مارد التكنولوجيا الوليد الشرعي لعُصارة الفكر الثقافي للإنسانية·· قرّب المسافات الثقافية والفكرية والفلسفية وحرّك تفاعلها·· وجعلها بين أيادي الجميع وفي متناول عقول الجميع·· عبر الأقمار الصناعية والمنافذ الفضائية وأجهزة الكمبيوتر والإنترنت·· وهي الحصيلة الطبيعية والتاريخية على مدارات تجدد وصعود ثقافة الكيف على انقاض ثقافة الكم في العالم!!
لقد كان عقل إنسان عالمنا الثالث مغّيبا مركونا في ظلام الجهل والخرافة وكان السائد قبل الوجيز من الأعوام ثقافة "كم" تدور في ظلام القرون الوسطى·· أما الآن عبر أجهزة تكنولوجية مذهلة·· فيمكن الولوج في عمق دور الكتب وحقول معارف الدنيا واغتراف ما يمكن اغترافه من ثقافات وفنون وعلوم وحقائق·· ما هو محظور وما هو غير محظور·· في الثالوث المحرّم!!
إن صهد وتماهي الجدل الثقافي وجهاً لوجه في إحدى الفضائيات العربية·· خلع زيف الكم الثقافي عن وجه ثقافي يشار إليه ببنان طولٍ في المعارف الثقافية والصحافية·· لم يستطع أن يزوِّق جدل خطابه بمساحيق ورتوش "كيفه" الثقافي·· عندما صُدم فجأة بخطاب سيد لقمة عيشه·· الذي أتاه مرتداً على الهواء مباشرة·· فتهاوت قامته الثقافية·· واستوى مضغة ارتعاشات ذليلة وتلعثمات مترابكة·· أمام "عيون وآذان" القاصي والداني وهم يشاهدون غصة انكسار كرامته الثقافية والصحافية في غُصّة لقمة سيده!! |
