من بين القضايا العراقية الكبرى التي على الجميع عراقيين وعرباً وأجانب التصدي لها وحلها هي قضية المقابر الجماعية والرهائن والموقوفين والسجناء والمفقودين والمختطفين والأسرى الكويتيين وغيرهم، إذ من المعروف وبعد إسقاط نظام صدام في التاسع من أبريل 2003 أنه تم كشف النقاب عن عشرات المقابر الجماعية والتي تضم آلافا مؤلفة من الرجال والنساء والأطفال والذين قتلوا بطرق بشعة ودفنوا في تلك المقابر التي اختلطت عظام وجماجم ضحاياها خصوصا بعد أن نبشها الأهالي لمعرفة مصير ذويهم الذين اعتقلهم النظام أو خطفهم ولا يدرون عن مصيرهم شيئا منذ سنين طويلة والنزر القليل الذي استطاع أن يتعرف على أبنائه من خلال بعض الشواهد والأدلة والمستمسكات·
وبعد أن زارت تلك المقابر بعض المنظمات الدولية قررت أن تغلق تلك المقابر وتضع حراسات عليها لحين توفر الإمكانات والأجهزة التقنية الحديثة والفرق الكافية والتمويل الكافي وتوفير العناصر والكفاءات المتخصصة في هذا المجال ومن ثم يجري فتحها وتشخيص ضحاياها بشكل دقيق ومؤكد في ذات الوقت جرى التكتم على أمكنة العشرات بل المئات من المقابر الجماعية لحين توفر تلك الإمكانات المطلوبة بينما بقي مصير العشرات من المقابر الجماعية السرية مجهولا حتى هذه اللحظة وبانتظار توفر إمكانات البحث والتنقيب والتحري ومن بينها إلقاء القبض على المسؤولين عن تلك المقابر والذين يعرفون أماكنها أو كانوا حراسا ومشرفين عليها·
وعلى ضوء تلك المعطيات فقد تشكلت لجنة أطلق عليها: (لجنة إطلاق سراح الرهائن والموقوفين في العراق) وموقعها على شبكة الإنترنت الإلكترونية wwwcrohdi.org وهي تعنى أيضا بالسجون والمعتقلات التي ما زالت سرية ولم تكتشف بعد والتي تضم آلافا أخرى من السجناء والرهائن والموقوفين·
وكانت أولى نشاطاتها تنظيم عريضة دولية يجري التوقيع عليها في مكان مخصص لها على موقعها الإلكتروني نفسه مفتوحة للتوقيع على الجميع من عراقيين وعرب وأجانب موجهة بالأساس الى السيد جورج دبليو بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والسيد توني بلير رئيس وزراء المملكة المتحدة تطالبهما فيها بالتدخل الفاعل والمباشر لدعم جهود اللجنة وتوفير الإمكانات التي ذكرناها من أجل حل ومعالجة تلك القضية الإنسانية الكبرى وهي موجهة أيضا الى كل الدول والشعوب والمنظمات في كل أنحاء العالم للمساهمة في معالجة تلك القضية الكبرى·
لذا فإننا نناشد الجميع التوقيع على تلك العريضة الدولية خدمة للإنسانية والعدالة وتسجيل موقف تاريخي وأخلاقي نبيل وذلك في المكان المخصص للتوقيع في الموقع الإلكتروني www.scrohi.org
لجنة السجناء الأحرار في العراق
وضمن هذا السياق فإن هناك لجنة تأسست عقب سقوط نظام صدام باسم (لجنة السجناء الأحرار) وقد تمكن ناشطو اللجنة من الحصول على ملفات ضخمة كانت لدى أجهزة النظام ويحتاج تدقيق ذلك الكم الهائل من الملفات والوثائق والأدلة والمستمسكات الأصلية الى سنوات لتمحيصها وتدقيقها وتبويبها وقد بدأت اللجنة فعلا بهذا العمل الجبار رغم إمكاناتها التقنية والبشرية المتواضعة وتلك الملفات والوثائق تتضمن أسماء الآلاف من السجناء والمعدومين وأوامر وقرارات الاعتقال والتعذيب والإعدام وأسماء ومناصب المسؤولين عن تلك الأجهزة الإرهابية وهي الأخرى تحتاج الى دعم تقني وبشري اختصاصي وتمويل ومشاركة من المنظمات الدولية ذات الاختصاص وأن يتزامن ذلك كله مع البدء بتشكيل المحاكم لمحاكمة كل عناصر ومسؤولي نظام صدام الذين ارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية والتعذيب والاغتيال والاختطاف وهتك الأعراض وسرقة الأموال العامة وجرائم الحروب وتدمير البيئة وتعريض وطننا وشعبنا الى أشد الكوارث والفظاعات·
دينار بلا صدام
للمرة الأولى بدأ العراقيون يتداولون دينارهم الجديد النظيف من صور صدام البشعة و"بوزاته" الفارغة ويحق للعراقيين اليوم أن يتباهوا ويفتخروا بدينارهم الجديد ويتذكروا الدينار الملكي والذي كان يسميه آباؤنا بأنه الدينار الذي "يذبح الطير" لصلابة وحدة حواشيه وكان دينارا محترما مغطى بالذهب قبل أن يخرج العراق من الكتلة الاسترلينية بعد عام 1958 فتحول الى دينار بلا غطاء ولا حماية وعرضة لشتى المخاطر·
الدينار الجديد فاتحة خير افتتح به العراق عهده الجديد واستبشر به العراقيون وتفاءلوا وأضيف الآن الى حقائب التداول ومراكز المال والصيرفة والمعاملات البنكية كعملة عالمية تعامل على قدم المساواة مع العملات العالمية بعد أن كان دينار صدام بلا غطاء ولا قيمة اعتبارية أو نقدية والجميع يسخر منه ويبتعد عنه وكان يطبع في مطابع صدام وعدي وقصي وعلي الكيماوي، وسهل التزوير ولا قيمة سوقية واستهلاكية محترمة له بل مجرد أكداس من الورق الرديء وكان يثير الرعب والاشمئزاز ويسميه الناس بأنه بلا لون ولا طعم ولا رائحة وصورة صدام تزيد من رداءته وبشاعته ولحسن الحظ فإن صدور الدينار الجديد تزامن مع تعيين الدكتور سنان الشبيبي محافظا للبنك المركزي العراقي وهو من الشخصيات الوطنية المعروفة كما أنه ذو كفاءة وشهرة دولية، كما ستخلو مناهج التعليم أيضا من صور صدام وأكاذيبه ضد دولة الكويت الشقيقة بعد أن نظفت وعقمت شوارع وأحياء وساحات وأزقة وحتى "حمامات" العراق ومنشآته منها·
الدينار الجديد وبعد أن اعترف به البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بطبعته اللندنية العالمية بادر المواطنون الى استبدال دنانير صدام بالدينار الجديد وستبقى عملية الاستبدال مفتوحة حتى تستنفد كل الكميات من الدنانير القديمة·
تكتيكية وليست استراتيجية!
مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم العربي وعلى الرغم من قلتها إلا أنها في اعتقادي تكفي إذا كانت ناشطة بالفعل ومنتجة وليس كما هي الآن مجرد مكاتب وثيرة وأجهزة حديثة وموظفين وموظفات يلمعون من شدة الأناقة ومترهلين من شدة الكسل والدليل على ذلك أن تلك المراكز مجتمعة لم تنتج استراتيجية واحدة متكاملة منذ تأسيسها في أي شأن من الشؤون·
الآن نحن بحاجة الى مراكز تكتيكية تضع الآليات الإجرائية العملية لتطبيق الاستراتيجيات تلك (إن وجدت)! فالتكتيك هو العصب الأساسي للتنفيذ وبغير التنفيذ يصبح أي تنظير لخطة أو تأسيس لاستراتيجية نوعا آخر من العبث والترف والوجاهة·
ولذلك فإن الدعوات الى زيادة مراكز الاستراتيجيات دعوات مجانية ولا تستند الى قراءة واقعية وموضوعية لما يعانيه الوضع العربي العام من معضلات مزمنة لا ينفعها الاستراتيجيون المترفون بل هي بحاجة الى استراتيجيين مخلصين يقظين ونشيطين ونهضويين والى تكتيكيين يتميزون بالخلق والابتكار والإبداع·
ومنا الى الدكتور عبدالله سهر الذي طالب أخيرا بزيادة مراكز الدراسات الاستراتيجية في إحدى مقالاته الصحافية·
وفي الختام لا بد أن نشير الى المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية الذي يترأسه السفير عبدالله يعقوب بشارة وبإدارة الأستاذ محمد الشريف بفرعيه الكويتي والمصري وهو مركز ناشط دراسيا وبحثيا ولكنه غائب أو مغيب إعلاميا مع الأسف الشديد·
hamid@taleea.com |