أما لماذا عبد الباري عطوان وليس غيره من الموالين والمدافعين وببسالة عن نظام المجرم المقبور الطاغية صدام حسين ، وحتى بعد زواله، فهذا لأنه أتيحت لي مرة فرصة مناقشة السيد عطوان مباشرة وعلنا وأمام أنظار جمع من الإخوة العرب والعراقيين وأصدقائهم، حدث ذلك خلال زيارة له الى العاصمة الفنلندية، هلسنكي ، في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر تشرين الأول 2002، وفي إطار برنامج تضامني مع الشعب الفلسطيني، أعدته منظمات طلابية فلسطينية، حيث قدم السيد عبد الباري عطوان، رئيس تحرير جريدة القدس العربي، محاضرتين تحت عنوان مشترك: ( السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط : القضية الفلسطينية مثالا )، وفي كلا المحاضرتين، والتي كانت أولاهما باللغة الإنكليزية موجهة للفنلنديين ، والثانية باللغة العربية موجهة لأبناء الجالية العربية، وأيضا في أحاديثه التي قدمها للصحافة الفنلندية يومها، تراجع الشأن الفلسطيني عند السيد عطوان أمام اهتمامه بالقضية العراقية وترويجه لسياسة النظام العراقي الدكتاتوري، ولم يقتصر السيد عطوان يومها على تسليط الضوء على الشأن العراقي ارتباطا بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، بل وتحت مبررات " الأوليات القومية " و" العداء الأمريكي للقضية الفلسطينية " راح يروج لسياسة النظام الدكتاتوري الديماغوجية ، ويدعو إلى الاصطفاف إلى جانبه ، متفاخرا بكون النظام العراقي أول من تجرأ وأطلق صواريخ باتجاه إسرائيل، وكال شتى الاتهامات لقوى المعارضة العراقية معتبرا نشاطها يعيق النظام العراقي من القيام بمهامه القومية·
وفي أثناء نقاشي مع السيد عطوان ، أثار انتباه الحضور في ردوده، أنه راح ودون أي إشارة مني أو من غيري الى الدفاع عن نفسه ضد ما سماها بالاتهامات التي توجه له بتقاضيه أموالا من النظام العراقي مقابل كونه " عميلا" و" بوقا "، وفي نقاشي معه طرحت عليه حينها وجهات نظري حول الطبيعة الوحشية الدموية لهذا النظام الدكتاتوري، والتي أنكرها جملة وتفصيلا وتشبث بوجهات نظره المعروفة، وتشبث بالدفاع عن نظام صدام حسين، والذي يعتبره المدافع الأول عن القضايا العربية·
ما الذي يجعلني الآن أتذكر شخصا مثل عبد الباري عطوان؟
قبل أيام، ما إن فتحت باب الشقة، حتى سمعت نحيب زوجتي المتقطع، ركضت وفي بالي احتمالات كثيرة، وبعد دقائق وجدتني أضم زوجتي إلي ، ليس لأكفكف دموعها ولكن لأشاركها النحيب وإن بصمت!
كان التلفزيون يعرض تقريرا وحشيا عن اكتشاف مقبرة جماعية جديدة في عراقنا قرب مدينة المحاويل·
بين مقبرة ومقبرة هناك مقبرة يا سيد عبد الباري عطوان!
لقد حول نظام عفالقة البعث ، المدافع الأول عن القضايا العربية، بلادنا الى بلاد للمقابر يا سيد عبد الباري عطوان!
مقابر في الجنوب وفي الشمال يا سيد عطوان!
ضحايا من الشيعة والسنة يا سيد عطوان!
ضحايا من العرب والأكراد ومن مختلف القوميات الأخرى يا سيد عطوان!
إنه نظام عادل جدا في توزيع الموت على العراقيين يا سيد عطوان!
لم يكتف النظام الدكتاتوري البغيض، ودفاعا عن القضايا القومية، في إرسال العراقيين للموت في حروب لم تجلب للبلاد سوى الخراب، فراح يدفن ما تبقى أحياء وبالجملة ولمختلف التهم، ولا فرق لدى أجهزته القمعية بين امراة أو شيخ أو طفل·
أيصدق الآن السيد عبد الباري عطوان بكلامي حين حاججته في مدينة هلسنكي، يوم جاء فنلندا ليسوق لسياسات النظام الدكتاتوري البغيض وينسى مادة محاضرته الأساسية عن فلسطين، وليدافع عن رأس النظام ويعتبره القائد الشجاع الوحيد على الساحة العربية ؟؟
لم يوافقني السيد عطوان يومها، مثلما لم يوافق عشرات العراقيين في كل مكان أسمعوه رأيهم في حقيقة النظام، وحين كان الجميع يقولون له إن هذا النظام المجرم وإذ صادر وقبل كل شيء حق الإنسان العراقي في الحياة ، لا يمكنه أن يدافع عن حقوق العرب؟ هل يمكن للسيد عطوان، والذي لا تزال جريدته تروج للنظام البائد ، بل وتزور رسائل باسم المجرم صدام ، وللغرابة أنها تصله بسرعة قياسية، أقول يا ترى هل يمكن له وأمثاله من الأبواق العربية ممن لا يندى لهم جبين من الخجل ، هل يمكن لهم، وبعد كل ما كشف من عدوانية وسادية ووحشية هذا النظام، أن يتعظوا ويكفوا عن الحديث عن النظام العربي ومجد الأمة على حساب حق الشعوب بالحياة الحرة الكريمة ؟!
هل يمكن له أن يرسل مندوبا عن جريدته ليعد لنا تقريرا عن بطولات فارس الأمة وأعماله القومية؟ وهل يا ترى سيضع بينها مأثرة المقابر الجماعية التي تكتشف كل يوم في أراضي العراق ؟ ويحصي لنا عدد موتانا بأيدي أجهزة بطله القومي؟؟
عن أي أمة تتحدث يا سيد عطوان ؟
لقد حلبتم هذه البقرة، التي اسمها العراق، وباسم القضايا القومية وبما يكفي ، فدعوها تلعق جراحها·
دعوا العراق يلملم جسده المثخن بجراح الدكتاتورية والاحتلال·
دعوا عراقنا ينهض كما يريد·
العراق الآن بلد محتل· نعم··· ولكن دعوا أبناء العراق يحروره بأيديهم وبحكمتهم!
ساهم الأمريكان في إسقاط بطلك القومي، ولم يستقبل أبناء العراق جيش الاحتلال بالورود، والولايات المتحدة ارتكبت جرائم بشعة خلال غزوها العراق · نعم ··· ويعرف ويدرك أبناء العراق كل ذلك، ولكن كل ذلك شأنهم، وهم الأجدر بمعالجته وبحكمة·
سقط نظام الطاغية ولم يسقط العراق يا سيد عطوان!
هل تريد تحرير فلسطين يا سيد عطوان؟ لن يمنعنك أبناء العراق الجديد· افعل ما تشاء من أجل هذا الهدف النبيل· احمل بندقيتك وامض، فجّر نفسك مثلما دأبت على الإشادة بالعمليات الانتحارية، ضع يدك بيد شيخك أسامة بن لادن، كن وهابيا، سلفيا، قوميا، عروبيا، ليبراليا، ديمقراطيا··· الخ، كل هذا شأنك، ولكن أنت ومن على شاكلتك دعوا العراق وشأنه·
دعونا نبن وطننا من جديد· وابحث لك عن بطل قومي جديد خارج حدود وطننا ، فالعراق الجديد، الديمقراطي الفيدرالي الموحد، لا مكان فيه لأبطال طغاة من ورق·
دعونا يا سيد عطوان ندفن موتانا بهدوء!
15أيار/ مايو 2003
نسخة منه: الى كل عربي موال لنظام الدكتاتور المجرم صدام حسين·
|