رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 25 يوليو 2007
العدد 1784

موسم الحروب الأهلية الحالية
د. نسرين مراد
????? ????????

د· نسرين مراد *

يمتاز القادة الأمريكيون بولعهم بسياسة قيادة الأمم والشعوب والثقافات الأخرى بطريقة الانقياد الأعمى أو شبه الأعمى أو بالاستحواذ على إرادة الآخرين· تجلت تلك السياسة إبان الحرب الباردة عندما كان يُطلق على الدول والكيانات "العمياء" أنها تدور طوعاً أو نفعياً في فلك السياسة الأمريكية، أي أنها اختارت القطب الأمريكي لتأخذ مداراً شبه دائم حوله· عادة ما كانت تنتهي فترات الدوران تلك، إن جاز التعبير، إما بانقلابات دموية أو ثورات عارمة ضد الأنظمة الحاكمة أو حتى السقوط في حروب أهلية·

تشمل مجالات قيادة الكيانات المغلوبة على أمرها الأمور السياسية والتقنية والعسكرية والفكرية من مراحل بدائية في النمو والتعليم والتطوير إلى حدود غزو الفضاء الخارجي· مثلاً في مجال غزو الفضاء لا تمانع الأطقم الفضائية الأمريكية من اصطحاب أحد رعايا الدول التي تسير في فلك السياسة الأمريكية إلى الفضاء على شكل شبه مومياء، مدربة على القيام ببعض الحركات، وتخضع لمراقبة دائمة وعن كثب من قبل أعضاء طاقم الفضاء الأمريكيين· والحال هذه تستفيد الدولة التابعة التي حظيت بمندوب عنها إلى الفضاء، تستفيد إعلامياً بشكل أساسي وشبه كامل بوصول أحد أبنائها إلى ذلك المستوى، بالرغم من عدم قدرة علماء وفنيين وخبراء تلك الدولة التابعة على صنع حتى ربّاط حذاء رائد الفضاء المومياء!، العادي والفضائي· وتستفيد الولايات المتحدة من تلك العملية بمواصلة إغراء الكيانات الأخرى التابعة على المضي في البقاء في مدار لها معيّن في فلك السياسة الأمريكية·

آخر صرعة في ظاهرة قيادة الشعوب والأمم الأخرى للسير على خطى الولايات المتحدة تاريخياً هو الزج بتلك الشعوب والأمم في أتون حروب أهلية مدمِّرة قد تأتي نهائياً على الشعوب وكياناتها السياسية· وقعت الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حين اختلف زعماء الشمال مع نظرائهم من الجنوب بشكل أساسي على تطبيق الفيدرالية على الولايات، وعلى حقوق العبيد الذين في جلهم من أصول أفريقية· كلما استعرت حرب أهلية في منطقة عبر العالم بسبب التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لتلك الدول يستذكر الإعلام الأمريكي الأصلي والمترجَم تلك الحرب· ربما!، ذلك ما يهيئ العقول والقلوب لدى الشعوب النامية لقبول الولوج في حرب أهلية شاملة لعل وعسى يتم استنساخ حالة الولايات المتحدة الحديثة كمارد عالمي من بين رماد أو ركام أهل الكيان المرشح للنكبة·

نحن نعيش في عصر تسيطر فيه طريقة العيش الأمريكية الحديثة على عقول البشر من سن الطفولة والمراهقة الفكرية والسياسية المبكرة وحتى مراحل متقدمة من النضج! والكهولة والشيخوخة، ومنهم من يقضي نحبه حالماً بتقليد أي شيئ أمريكي· لكن لم تتعلم القيادات، ومن ورائها أو تحتها الشعوب المرشحة للنكبة بإحلال حرب أهلية فيها، لم تتعلم من دروس الآخرين· ليس عميقاً في التاريخ المنظور أشعل الساسة الأمريكيون حروباً أهلية مدمرةً في عدد من الدول التي مرّوا بها أو استوطنوها عسكرياً أو سياسياً أو ثقافياً، من الفلبين إلى شبه الجزيرة الكورية وفيتنام إلى الكثير من دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى أوروبا الشرقية والوسطى ··· لكن لم ينجح استنساخ حالة المارد الأمريكي المنشود في تلك الكيانات بعد انتهائها ولو شكلياً من الحروب الأهلية·

حديثاً أشعل الأمريكيون وبتعاون فعّال مع حلفائهم، أشعلوا الحروب الأهلية في حفنة من الدول التي كانت في الماضي تتمتع باستقرار لا بأس به؟ الأمثلة على ذلك كثيرة في جمهورية يوغسلافيا السابقة وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق والدول صاحبة الاستقرار السياسي الداخلي الهش مثل أفغانستان والعراق ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967· في أفق التحرك الأمريكي تلمع ملامح حروب أهلية في عدد من الدول المرشحة مثل إيران وسورية والسودان ومصر والجزائر وتركيا وغيرها؛ يتم التخطيط لها على قدم وساق في دوائر صنع القرار الأمريكي· في واقع الأمر لا يكاد يُستثنى كيان من خطط السياسة الأمريكية المؤدية إلى إشعال حروب أهلية في كل مكان مستطاع· لا بد وأن يكون في كل من الدول المستهدفة الضعيفة أو المستضعفة طبيعة مجتمع ونظام سياسي تغري الإدارة الأمريكية للدخول إلى تلك الدول بالأموال والجيوش والشركات في سباق محموم مع الزمن لتحقيق أقصى الطموحات الإمبريالية المنشودة·

العالم الآن يعاني تبعات سقوط القطب الدولي الآخر، الاتحاد السوفيتي، والذي على سوء مزاياه كان يشكل رادعاً قوياً لسياسات الولايات المتحدة الرامية إلى التمدد والسيادة في كل اتجاه· وقع شلل واضح في عمل المؤسسات السياسية الدولية المناوئة للاحتلال والاستعمار والتدخل في شؤون الغير، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة· أصبح مجلس الأمن الدولي نادياً أمريكياً بامتيازات خاصة مع ظهور إدارات للدول الأخرى دائمة العضوية لا تمانع التبعية العمياء للسياسة الأمريكية مثل الإدارة البريطانية التقليدية وحديثاً الإدارة الفرنسية الجديدة· باتت الكيانات الضعيفة أو المستضعفة فريسة سهلة لتدخل أمريكي يحمل معه نذر حروب أهلية مشؤومة مرعبة لها· يصاحب ذلك إطلاق عنان التبجح عند رواد السياسة الأمريكية الخارجية الحالية لوصف الحروب الأهلية بمصطلحات بائسة من مثل الفوضى "الهادفة أو الخلاقة" في وصف حالات الفوضى الدموية المحتملة·

ما يساعد على إدخال الكيانات المستقرة نوعاً ما في أتون حروب أهلية هو تمتع بعض قادتها النافذين في الحكم على الأقل بما يُعرف بالجنسية المزدوجة، بالإضافة إلى امتلاء حسابات أرصدتهم بأرقام غير عادية من العملات الصعبة· إما رئيس أو ملك أو رئيس وزراء أو زعيم تلك الدولة أو الوزراء النافذون يتمتعون بجنسيات مزدوجة· بالإضافة إلى نشرهم الفساد والمحسوبية والرشوة في النظام الإداري لموطنهم الأصلي، لا يثقل أحد منهم كاهله بهمٍّ إذا ما رأى شعبه يسقط في هاوية الحرب الأهلية؛ ما عليه إلا أن يتصل بوكالة طيران من تليفونه المحمول لمغادرة بلده المنكوب لقضاء أمتع الأوقات في تلك البلاد الأجنبية ملقياً باللائمة على أطراف الحرب الأهلية المستعرة من خلفه·

بات على الشعوب أن تقوم بمحاسبة زعمائها الإداريين والسياسيين أولاً بأولٍ منذ بدء جلوسهم على كراسي السلطة والحكم· للأسف ذلك لن يحدث في كيانات تكون فيها قوى الجيش والشرطة والمخابرات مسخرة لخدمة طبقة السلطة الحاكمة، وفي أغلبها الآن تتمتع بازدواجية مقيتة في الجنسية والولاء· على كل شعب أن يبتكر آلية خاصة لفحص وتقييم الزعماء الحاكمين والتأكد من خلوهم من العداء بل اللامبالاة تجاه شعوبهم· بالذات عندما يظهر أحد الزعماء عارضاً نفسه كبطل أمام جماهيره عليه أن يكشف عن نفسه وأرقام حساباته وأرصدته والشركات والدوائر والحكومات التي يعمل فيها أو يتواطأ معها قبل أن "تقع فؤوس هؤلاء الزعماء برؤوس تلك الشعوب"·

أخيراً وليس آخراً ولتفادي حروب أهلية مخطط لها بعناية على جميع الأفراد والجماعات في الدولة الضحية أن يوقنوا أن الدماء المُسالة خسارة على الطرفين المتنازعين وبنفس الحدة· ذلك أن المؤسسات التي سترعى الإصابات وتعوض الأضرار تأخذ قوتها ومصاريفها من طرفي الحرب الأهلية، شعروا بذلك أم لم يشعروا· على تلك الشعوب أن تعي أن الجهات الخارجية غير معنية أبداً بما يجري داخل المجتمع المنكوب؛ ببيان صحافي إعلامي واحد تتنصل تلك الدول من كل تبعات الحروب الأهلية الكارثية التي تجري تحت سمعها وبصرها وتلبية لخططها وإرادتها·

 

*جامعة الإمارات

Nasrin@uaeu.ac.ae 

�����
   
�������   ������ �����
نظرة عامة في العلاقات الخارجية الأمريكية
نظرة في المواجهة بين فتح الإسلام والحكومتين اللبنانية والأمريكية
الحالة الفلسطينية: من الثورة إلى الرضوخ لشروط مميتة
لا يتعلم جورج بوش من تكرار أخطائه
الإعلام الإخباري والاستخفاف بالحقيقة
الحرب السادسة في المنطقة
قراءة في المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله
قراءة في المواجهة المفتوحةبين إسرائيل وحزب الله
بخس ثمن الإنسان العربي في الحسابات الغربية
الإدارة الأمريكية ومشروع تقسيم العراق
أبو مازن بين مطرقة الاحتلال وسندان المقاومة
أوضاع الفلسطينيين وجماعات حقوق الإنسان الدولية
 

بين النفط والغاز!:
د. محمد عبدالله المطوع
العناصر الإيجابية ي مؤسسات الدولة:
فيصل عبدالله عبدالنبي
كيف تركب الموجة؟!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
"المحكومين مرآة للحاكمين":
محمد بو شهري
تحية:
على محمود خاجه
موسم الحروب الأهلية الحالية:
د. نسرين مراد
الداخلية والحاجة لدورات أخلاقية:
المهندس محمد فهد الظفيري
والجدار أيضا إرهاب!!:
عبدالله عيسى الموسوي
الشجاعة في تقويم تجاربنا:
د. لطيفة النجار
مقتطفات وورديات حولية:
أحمد سعود المطرود
إلى جنات الخلد يا عبدالعزيز:
محمد جوهر حيات