رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 فبراير 2007
العدد 1763

لا يتعلم جورج بوش من تكرار أخطائه
د. نسرين مراد
????? ????????

في مارس آذار 2003 ارتكب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن خطأ استراتيجياً فادحاً بإعلانه الحرب على دولة العراق والتي كانت قد انهكت بفعل الحصار الغربي الطويل الخانق عليها· حل الغزو الأنجلو-أمريكي بالعراق رغماً عن أنف المعارضات الرسمية والشعبية العالمية· كانت المبررات المعلن عنها هي التأكد من عدم امتلاك ذلك البلد أسلحة دمار شامل بالتوازي مع الزعم بوجود تعاون وتنسيق بين نظام الحكم في العراق وتنظيم القاعدة· فشلت تلك المبررات في إقناع الرأي العام بمنطقية الحرب باهظة الكلفة البشرية والمادية والمعنوية مما اضطر جورج بوش إلى أن يغير هدفه المعلن من الحرب إلى زعم نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط برمته بدءاً بالعراق·

اتبعت إدارة بوش خطأ احتلال العراق بسبحة طويلة من الأخطاء التكتيكية شديدة الفتك والخطورة على الشعب العراقي· تم حل الجيش العراقي الوطني العريق وكامل المنظومة الأمنية للدولة العراقية· انبثق عن الاحتلال مجلس حكم وهياكل حكومات دمى مهماتها ترجمة الأوامر الأمريكية على أرض واقع الاحتلال· سُنّت مجموعة من القوانين تقسم الشعب العراقي الواحد إلى مجموعة من الفئات المتنازعة فيما بينها تحت خيام نظام "المحاصصة الطائفية"· تحت الجنة! التي ينعم بها حفنة من المنتفعين مباشرة من الاحتلال في المنطقة الخضراء تجري أنهار من الدم العراقي· أصبح العراق الجديد مرتعاً خصباً لنشاط دعاة الشحن الطائفي والمذهبي والعرقي الفاشي والشوفيني يؤدي الحال فقط إلى تمزيق النسيج المتكامل للشعب العراقي·

أدت الأخطاء الأمريكية المتراكمة إلى سقوط أكثر من مليون عراقي بين شهيد وجريح· هنالك تزايد مطرد في الحالات النفسية الحادة التي تصيب معظم العراقيين بسبب الاستيقاظ اليومي على أصوات وأخبار التفجيرات والمفخخات وأعمال الخطف والقتل والاغتيال التي تطال كل المقيمين على أرض العراق· انتشرت ظاهرة الميليشيات الطائفية وفرق الموت وعصابات الإجرام والإرهاب وخسر العراقيون ثروة بشرية وعلمية وتقنية هائلة·

في كل خطوة تخطوها الإدارة الأمريكية في العراق تغذي بها روح الفتنة الطائفية· ليلة عيد الأضحى المبارك، كبير الأعياد المشتركة بين جميع مذاهب السنّة والشيعة، أقدمت إدارة بوش على تسليم رقبة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى ألد خصومه السياسيين التواقين إلى إعدامه حال تسلّم أمره· أُعدم صدام حسين وسط حضور وطقوس وهتافات طائفية مذهبية سياسية صُمّمت! لتصب زيتاً أكثر على نار الفتنة الطائفية، لا بل لنشر الفتنة وتعميمها عبر بلدان العالم الإسلامي· الهدف السياسي من إصدار حكم وتوقيت إعدام صدام حسين هو تحصين جدار الممانعة بين إيران والعالم العربي· زعم السيد بوش بأن حكومة السيد نوري المالكي تتحمل بالكامل! مسؤولية تبعات إعدام صدام حسين، تلك هي أثقل نكتة سياسية يمكن أن يتحملها العقل البشري· كان الأجدر بالسيد بوش أن يفصح عن الصفقة السياسية التي تمت بينه وبين المالكي لتسليم الأخير رأس صدام مكبل الأيدي مقيّد الأرجل ليساق بسرعة إلى المشنقة!·

منذ وقت بعيد برّرت كوندوليزا رايس مسار السياسة الأمريكية الدموية الحالية بما أسمتها بسياسة "الفوضى البنّاءة" أو الخلاقة، طريقة مستوحاة من طرق رعاة الأبقار المغامرين في التعامل مع قطعانهم الكبيرة من الأبقار في البراري الواسعة· لا تختلف طرق تعامل السيد بوش مع جميع القضايا السياسية الدولية عن التي يتبعها رعاة البقر، أو حتى راكبي ثيران السباق أو فرسان الخيول العنيفة في ساحات امتطاء الثيران أو الخيول أمام جموع المشاهدين· في المختبرات العلمية يقوم الباحثون بإجراء تجارب تعتمد أساليب استحداث "فوضى عارمة chaos" على السوائل والغبار لاستنباط نتائج عملية وعلمية محتملة· أكثر من 25 مليون عراقي، إضافة إلى مئات الملايين من البشر الآخرين عبر العالم الذين لهم علاقة بالعراق بطريقة أو بأخرى، يخضعون الآن لتجارب من نتاج إبداع! عقلية جورج بوش وطاقمه الحاكم في البيت الأبيض·

إحدى أحدث الأخطاء التكتيكية للسيد بوش هي الطلب من حكومة المالكي التعاطي مع الملف الأمني العراقي، بما لدى الأخير من جيش مخترق بالميليشيات وفرق الموت وجهازي مخابرات وشرطة مبنيين على أسس طائفية ومذهبية· سيستعين السيد المالكي في التعامل مع الملف الأمني بميليشيا الأكراد ضد العرب وأفواج جنود سنّة ضد السنة والشيعة، وأفواج أخرى من جنود شيعة ضد الشيعة والسنّة، أكراد ضد العرب وعرب ضد الأكراد· ذلك امتداد لمصطلح فوضى رايس الخلاقة ومنها قد يُثبت المالكي أن حكومته الحالية ليست طائفية بامتياز· عملياً على المالكي أن يقضي على جيش المهدي بزعامة التيار الصدري الذي أوصله إلى رئاسة الحكومة· في الخطوة الثانية على المالكي أن يضرب المقاومة العراقية المسلحة التي تقارع الاحتلال بنجاح تاريخي منقطع النظير منذ سنوات· ثالثاً على المالكي أن يضع حدّاً نهائياً للإرهاب الدموي الذي يأتي على كل عراقي وعراقية من سن المهد إلى سن ما قبل اللحد بقليل· رابعاً وليس أخيراً على المالكي أن ينهي حالة الاحتقان الطائفي التي نتجت عن طريقة تكوين ومنهجية وعمل الحكومة والبرلمان والوزارات والمؤسسات العامة العراقية المصابة جميعاً بحمّى الطائفية والفئوية والمحاباة والفساد·

آخر أخطاء بوش التي ترقى إلى مرتبة متقدمة في الرداءة هي إرسال المزيد من القوات العسكرية إلى المنطقة لحل ما استعصى حله في السنين العجاف الماضية· بالتعاون مع حكومة شماعة ضعيفة وتتهاوى وفي ظروف تدخلات إقليمية جسورة في الشأن العراقي، كلٌّ لحماية وتسليح المحسوبين عليه في المجتمع العراقي المتنوع الأديان والأعراق والمذاهب، ستُجري إدارة بوش مناورة دموية سميت بالاستراتيجية "الجديدة" لإنقاذ نفسها ولحفظ ماء وجهها· في ذلك لا يصغي السيد بوش لكافة النصائح من حوله بوقف الاسترسال في "ابتكار" المزيد من الأخطاء المدمِّرة·

ما قامت به إدارة بوش في العراق على مدى ما يقارب الأربع سنوات يشكل صفعة يومية قوية في وجه الإنسانية لم يعد يكفي استخدام المفردات اللغوية وعبارات الاستنكار والاستهجان للتنديد بها· ما نتج عن سياسة بوش في شوارع بغداد والمدن والبلدات العراقية الأخرى يمكن أن يتكرر في طهران ودمشق والخرطوم والقاهرة والرياض وصنعاء وبيروت والدار البيضاء وصولاً حتى إلى العواصم والمدن الأوروبية والأمريكية· لقد أثبت جورج بوش أنه يتمتع بعقلية فاشية صرفة لن تقتصر أضرارها على الأعداء بل ستمتد في النهاية حتى إلى أقرب المقربين إلى حكمه· لا يوجد فرق بين عربي وأعجمي، سني أو شيعي أو مسلم أو مسيحي في استراتيجيات بوش القديمة والجديدة· كل شعوب الإثنيات الأخرى في عقلية بوش هم "هنود حمر"، وما الترسانة الأمريكية العسكرية الضخمة المحشودة في البر والبحر والجو إلا خير دليل على ذلك التوجه الفاشي الطائش· يدعم استراتيجيات بوش الحمقاء المدمِّرة كوكبات من الإعلاميين ووسائل الإعلام المختلفة التي تتبع كل نبضة في عروقه أولاً بأول وتنقلها إلى كافة أهل الأرض· اليوم أصبح اسم جورج بوش الشغل الشاغل لعقول كافة شعوب الأرض على اختلاف أعمارهم وألسنتهم وثقافاتهم، كان يحلم أدولف هتلر بالوصول إلى هذا المستوى· يعود الفضل في هذه الشهرة الدولية "غير المحبذة" إلى ارتكاب سلسلة طويلة من الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية الفتاكة التي من شأنها أن تقض مضجع الجنس البشري في منامه·

بات واجباً على الشعب الأمريكي أن يمارس ضغطاً أكبر فاعلية على السيد بوش تؤدي إلى تنحيته عن الحكم ومن ثم تقديمه وطاقم إدارته إلى محكمة جنائية دولية خاصة· لا يليق بالولايات المتحدة الأمريكية أن تستمر بالانحدار المعنوي على يد رئيس لا يستطيع الاستفادة من تكرار أخطائه· العالم كله الآن يعاني كابوس رعب بقاء السيد جورج بوش وزمرته ترسم الخطط في البيت الأبيض وتوجه أكبر آلة حربية عالمية ضد الدول الصغيرة الضعيفة عسكرياً واقتصادياً، الواحدة تلو الأخرى·

�����
   
�������   ������ �����
نظرة عامة في العلاقات الخارجية الأمريكية
نظرة في المواجهة بين فتح الإسلام والحكومتين اللبنانية والأمريكية
الحالة الفلسطينية: من الثورة إلى الرضوخ لشروط مميتة
لا يتعلم جورج بوش من تكرار أخطائه
الإعلام الإخباري والاستخفاف بالحقيقة
الحرب السادسة في المنطقة
قراءة في المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله
قراءة في المواجهة المفتوحةبين إسرائيل وحزب الله
بخس ثمن الإنسان العربي في الحسابات الغربية
الإدارة الأمريكية ومشروع تقسيم العراق
أبو مازن بين مطرقة الاحتلال وسندان المقاومة
أوضاع الفلسطينيين وجماعات حقوق الإنسان الدولية
 

حكاية شاعر عاشق لمصر(2-2):
سليمان صالح الفهد
لماذا يمجدون الطاغية؟ :
د.عبدالمحسن يوسف جمال
نحن جميعا ألكساندرا!!:
سعاد المعجل
مهلا سيد بلير!!:
د. محمد عبدالله المطوع
شكرا كرة القدم:
ياسر سعيد حارب
سفارات وسفراء:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
تسمم صحافي!!:
الدكتور محمد سلمان العبودي
"التفكير الخالق للمعرفة":
عادل رضـا
هوية في مهب الريح:
د. لطيفة النجار
أين وزارة التربية من مدارس التعليم الخاص؟:
محمد بو شهري
مقبرة للحاضر وأخرى للتاريخ:
مريم سالم
هلا فبراير.. دعوة فرح حزينة:
على محمود خاجه
السلطة الذكورية في حضرة الموت:
د. فاطمة البريكي
النفوذ اليهودي في ألمانيا:
عبدالله عيسى الموسوي
دواوين الظل ولوبيات الناخبين.. ونواب بوطقة!:
خالد عيد العنزي*
لا يتعلم جورج بوش من تكرار أخطائه:
د. نسرين مراد