كما هو متوقع عند بدء حرب مع دولة إسرائيل تتسارع الحوادث بسرعة وتتعقد الأمور وتصبح من السهولة بمكان أن تسلك طريقها نحو مواجهة مفتوحة· يكتسب الأمر طابعاً خاصاً عندما يأتي الحديث عما يجري على الحدود مع لبنان ويصبح ذا أهمية أكثر خصوصية مع طرف من مثل حزب الله اللبناني صاحب التاريخ الخاص المتميز في مواجهة العدوان والغطرسة الإسرائيليين· ذلك أن منطقة شمال إسرائيل، أو شمال فلسطين المحتلة، حيث يوجد الكثير من المنشآت الاقتصادية والاستراتيجية الحيوية الإسرائيلية والتي بالإضافة إلى هشاشتها وصعوبة الدفاع عنها أصبحت كلها في مرمى سهل لصواريخ حزب الله والتي أدخلت عليها تقنيات الحاسوب الإلكتروني للتحكم في مداها وفي دقة تحديد أهدافها· لذلك من المتوقع أن تضع إسرائيل كل ثقلها العسكري الضخم أصلاً للتصدي للخطر المحدق عليها من الشمال والذي هو قادر وبسهولة على تهديد وجودها وبشكل واضح للجميع·
إذا ما تمكن حزب الله من الحصول على الحد الأدنى من التأييد الرسمي! والشعبي المحلي والإقليمي والدولي فإن الكيان الإسرائيلي برمته يصبح في وضع لا يحسد عليه· لكن النظام الرسمي العربي منقسم بشكل واضح على نفسه في حين أن الرأي العام الغربي يميل كعادته لصالح الكيان الإسرائيلي، إضافة إلى الحساسية الغربية المعهودة تجاه حزب الله نظراً لما يمثله ذلك الحزب وطنياً وقومياً ودينياً وثورياً· لقد استطاع حزب الله ومنذ الدقائق الأولى للحرب كسر الجليد حول النفسية العربية اتجاه إسرائيل والتي باتت مقتنعة وبشكل متزايد أن إسرائيل من القوة والهيبة بمكان بحيث أصبح من الحمق والجهل التفكير بالتحرش بها ناهيك عن أن مهاجمة ذلك الكيان عسكرياً يعد ذلك من قبيل الانتحار الفردي والجماعي·
في القراءة الأولى لتسلسل الحوادث بين حزب الله وإسرائيل نرى أن إسرائيل على قوتها الظاهرية الضخمة هي من الضعف والهشاشة والتوكل على الدعم الأمريكي بمكان يظهر ذلك على وجوه قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين في ظهورهم العلني على شاشات التلفزة الإعلامية· في تلك المقابلات الإعلامية يظهر الهلع والقلق والخوف وتدني الروح المعنوية على وجوههم· ذلك يدل على قدرة قوة صغيرة نسبياً من مثل تنظيم حزب الله على إحداث تهديد حقيقي لقوة كبيرة عادة
ما يصفها الإسرائيليون ومن تبعهم! بأنها
غير قابلة للقهر أو الهزيمة· لكن استهداف المدنيين وممتلكاتهم ومنذ البداية ما هو إلا دليل صارخ على ضعف الآلة العسكرية والسياسية الإسرائيلية على ضخامتها وتفوقها في السلاح والعتاد· في الحرب الحالية أصبحت معظم القرى والمدن والمنشآت الإسرائيلية لقماً سائغة أمام نيران صواريخ حزب الله المتواضعة في الإمكانيات من حيث التصويب وقوة التدمير بالمقارنة مع الأسلحة الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية، والتي تنعدم أصلاً عند الطرف اللبناني· بفعل الظروف السياسية والعسكرية المحيطة، لم يستخدم حزب الله بعد كل أوراقه المؤثرة والتي تتلخص باستهداف البنية الأساسية الإسرائيلية المتمثلة في مصافي البترول ومجمعات البتروكيماويات والمصانع بالإضافة إلى محطات توليد الكهرباء الموجودة في مدينة "الخضيرة" جنوبي مدينة حيفا والتي أي الأخيرة دُكت بصواريخ رعد-2 ورعد-3·
في فترة قصيرة من الزمن فقدت إسرائيل أعصابها ورشدها مرتين؛ الأولى عندما هاجمت البنية الأساسية لقطاع غزة المحاصر في هجوم كاسح ومدمر من أجل استرجاع أحد جنودها الأسرى والثانية عندما هاجمت وبشكل شرس البنية الأساسية لعموم دولة لبنان المسالم لاسترجاع جنديين أسيرين هذه المرة· لكن الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل بالإضافة إلى كونه الدافع والسند سوف يكون المعوّض لها كثيراً في فقدها لرشدها!، في حين أنه لو حصل ذلك مع دولة أخرى لاختلف الوضع بشكل جذري ودراماتيكي· هذا دليل آخر على ضعف وهشاشة الوجود الإسرائيلي في المنطقة باعتماده شبه الكلي والمطلق على الدعم والتأييد الأمريكيين؛ لم يلق الكيان الإسرائيلي في المنطقة حتى الآن الحد الأدنى من القبول أو التقبل حتى بعد عقود طويلة ومريرة من زرعه في المنطقة·
كثير من المطلعين عن قرب على الشأن الإسرائيلي يجدون أن حزب الله "محظوظ!" في مواجهته عدواً كإسرائيل التي تبدو قوية· سوف يدرك الجميع وقريباً أن سماحة السيد حسن نصر الله محق في رفضه تقديم أي تنازلات مهينة عادة ما يطالب بها الكيان الإسرائيلي من الدول العربية خاصة المحيطة به· في الحرب الشرسة التي تدور رحاها حالياً يعتمد سماحة السيد على خبرة حزبه السياسية والعسكرية في التحييد المستطاع للقدرات العسكرية الإسرائيلية الضخمة المتمثلة بالسلاح الجوي والبحري والبري اللاتي عز نظيرها في العالم، بالإضافة إلى أنه أظهر من جديد هشاشة الطرف الإسرائيلي سياسياً أمام العالم· كثرت مفاجآت حزب الله في هذه الحرب التي لم يمض على بدئها الأسبوع من الزمن، من أسره للجنود وقتله للآخرين الذين لم تتمكن إسرائيل من سحبهم من ميدان المعركة على بعد أمتار معدودة من حدودها، إلى تدمير ثاني أكبر البوارج الحربية الإسرائيلية (من فئة ساعر 4.5 ) إلى ضرب المطارات والمنشآت العسكرية الضخمة شمال فلسطين المحتلة· معنوياً وتكتيكياً لم تتمكن إسرائيل من جر حزب الله إلى ضرب المدنيين بالرغم من الاستهداف الإسرائيلي المستمر والملح والصارخ الفاضح للمدنيين اللبنانيين والعمل بطريقة وحشية على تدمير البنية الأساسية للدولة اللبنانية المسالمة المحايدة·
لو تعقلت! إسرائيل قليلاً لأدركت أن تفهمها لمطالب المقاومتين اللبنانية والفلسطينية في إطلاق عدد محدود من الأسرى والمعتقلين كان سيحفظ لها قليلاً من ماء وجهها محلياً وإقليمياً ودولياً ويجنبها والمنطقة الكوارث الناجمة عن نظرة التعالي على مطالب الشعوب التي اكتوت بنار الوجود الإسرائيلي المتميز بالصلف والتعسف والعربدة· على الطرف الآخر لو كان الغرب صادقاً في تغنيه الدائم بالديموقراطية الإسرائيلية والاحترام المزعوم من قبل إسرائيل لحقوق الإنسان، كان من الأجدر به أن يضغط على إسرائيل كي تتفاوض مع حزب الله وحماس عبر وسطاء، أو بشكل مباشر، بدل اللجوء إلى استعمال ترسانتها العسكرية الضخمة لضرب الأطفال والنساء والشيوخ وهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها· لكن سياسة الحكمة والتعقل والنظر البعيد ليست من الشيم الإسرائيلية ومنذ إنشائها في المنطقة· إن كياناً كهذا يتصرف بازدراء وتحقير لما حوله من شعوب المنطقة يفقد بسهولة حقه في العيش بسلام في المنطقة ويجعل أنظار المتطلعين إلى تقدير وتعظيم وتطبيق مبادئ الحرية والكرامة وحقوق الإنسان تتوحد ضده لكسر شوكته والحد من صلفه وغطرسته· في ذلك الاتجاه يمثل حزب الله بقيادة سماحة السيد حسن نصر الله طليعة هؤلاء ومن يقدر أن يتصور حالياً نهاية لغطرسة ووحشية هذا الكيان؟!··· لكن "إن غداً لناظره قريب"·
جامعة الامارات |