رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 25 يوليو 2007
العدد 1784

الشجاعة في تقويم تجاربنا
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

د· لطيفة النجار *

كانت تجربة الثانوية هذا العام مختلفة كل الاختلاف عن الأعوام الماضية؛ فقد طبقت وزارة التربية والتعليم في الامارات نظام التقويم الجديد الذي ينطلق من تصور ينأى عن النظرة الأحادية لعملية التقويم التي كانت في الماضي تعتمد اعتمادا كليا على الامتحان وسيلة وحيدة في تقويم أداء الطلبة، ولا شك أنّ النظام الجديد بما أتاحه من فرص مختلفة متنوعة لتقويم الطلبة قد حرّر عملية التقويم من الاحتكام إلى وسيلة واحدة في اختبار قدرات الطلبة ومهاراتهم، الأمر الذي أتاح فرصا كثيرة أمام الطلبة للتنافس والاجتهاد بعيدا عن التوتر والضغط النفسي الهائل الذي كنا نلاحظه في الأعوام الماضية، والذي كان يقع تحت وطأته الطلبة وأولياء الأمور والميدان التربوي بمعلميه وموجهيه·

وعلى الرغم من أنّ الوزارة فاجأت الميدان والطلبة بقرار تطبيق هذا النظام في وقت كانت الدراسة قد بدأت فيه مما أربك المعلمين والطلبة، إلا أنّ الهدوء سرعان ما عاد إلى الجميع، فسارت عملية التدريس والتقويم سلسة مريحة· فجاءت بشائر الخير في نهاية الفصل الأول، وكنا نتابعها في الصحف، ونقرأ أخبار ارتياح الطلبة للامتحانات مما كان ينبئ عن رجحان كفة النظام الجديد للتقويم· وهذا ما صدّقته نتائج نهاية العام التي جاءت مفاجئة في الحقيقة، وتحتاج إلى وقفة تأمل ومراجعة، لا بسبب خلل في نظام التقويم نفسه، بل بسبب خلل واضح في تطبيق آليات هذا النظام يشير إلى ممارسات خطيرة تجري في الميدان، وهي ممارسات قديمة كنا قد أشرنا إليها مرارا في بعض المقالات وبعض اللقاءات التي نظمتها بعض إدارات التوجيه في الوزارة، ولكنها ظهرت على السطح في هذا العام ظهورا سافرا مع نتائج الثانوية العامة؛ فبأي معيار تقويمي يتحرى الموضوعية والدقة والأمانة والنزاهة تصل نسب بعض الطلبة إلى %100؟ حتى لو كان عددهم لا يتجاوز الثلاثة؟ ولست أرفض أن يكون بين أبنائنا مجموعة من المبدعين المتألقين العباقرة الذين فاقوا كل التصورات، بل إنّ هذا مما يسعد القلب ويثلج الصدور· ولكن الأمر تجاوز حدود المعقول الذي يقبله العقل ويرضى به الضمير· 

وهناك مؤشرات كثيرة من الواقع تصدّق ما يذهب إليه ظنّ المرء من أنّ عملية التقويم كانت تسير مبتعدة عن الموضوعية والنزاهة، فقد أخبرتني إحدى المعلمات، وهي معلمة متميزة، أعرفها منذ كانت طالبة في الجامعة، أنّها لا تؤيد هذا النظام الجديد لأنه يعلم الطلبة التملق والنفاق، بل يعلم أولياء الأمور كذلك التملق والنفاق، تقول: لقد أصبحنا نعيش تحت ضغط غير معلن وغير ملموس يمارس علينا بشتى الطرق من قبل الطلبة وأولياء الأمور بأن نعطي الجميع درجات عالية سواء كانوا يستحقونها أم لا، وإذا حاولت إحدانا التمسك بالموضوعية والصدق في التقويم ووجهت بتيار شديد من الممارسات الغريبة التي لا تتوقف من قبل الطلبة وأولياء أمورهم والإدارة أحيانا· لقد صرت أتساءل بيني وبين نفسي عن الصواب ما هو؟ وهل أنا التي لا أعرف كيف أقوّم الطالبات بأمانة وصدق أو أنّ الزمن تغيّر والمقاييس تغيّرت؟ وهل مثل هذه المقاييس من الممكن أن تتغير إلى الحد الذي لا نرى فيه فرقا بين المجتهد وغير المجتهد· فكلهم سواء؟ وتتساءل معلمة أخرى: كيف يمكن لي أن أعطي الطالبة درجة على بحث أعرف يقينا أنها لم تعمل عليه، ولم تنجزه بنفسها؟ وحين أناقشها فيه ترد قائلة: المهم أنني قدمت البحث· وصديقة تخبرني عن طالب من أقاربها حصل على نتيجة عالية جدا، كان معظم السنة لا يفتح كتابا ولا يدرس ولا يؤدي ما عليه من واجبات·  وهذا يذكرني بنماذج كثيرة رأيتها في الجامعة، فطالبة تعترف بأن صديقتها هي التي كتبت لها الواجب، وتقول لي هذا ليس غشا، هذه مساعدة· وأخرى تأخذ قصة كاملة بمعظم تفاصيلها من شبكة الإنترنت وتنسبها إلى نفسها، ولا ترى أن ما تفعله يعد كذبا أو غشا؟! والجميع يجادل جدالا عنيفا في الدرجات، ولماذا لم تأخذ درجة كاملة في كذا وكذا؟ فإذا كان معظم الطلبة يرى أنّ من حقه أن يأخذ الدرجة كاملة أو شبه كاملة بغض النظر عن طبيعة الجهد الذي قام به والفروق بينه وبين غيره من زملائه فإن ذلك يعكس لنا نمط التفكير الذي تربى عليه أبناؤنا، والذي كان لنا دور كبير في تعزيزه وتعميقه في نفوسهم حتى غدا صوابا لا جدال فيه·

أذكر أن إحدى الأمهات أخبرتني يوما أنّها لاحظت وجود أخطاء في كتابة ابنتها، فهي تخلط بين الظاء والضاد، وتكتب التنوين نونا، ولا تميّز بين همزة الوصل والقطع، فذهبت لتتحدث مع المعلمة التي فاجأتها بقولها: هذه الأخطاء أحاسب عليها في درس الإملاء فقط· فبادرتها الأم متعجبة: وهل وجدت أن حسابك عليها في درس الإملاء فقط قد ساعد ابنتي على تجاوزها؟ ولأن كثيرا من الصغار تربوا في المدارس على هذا النمط من التقويم فإنهم حين يكبرون لا يرضون عنه بديلا حتى إذا عرفوا أنه شكل من أشكال الغش والكذب· ففي حوار بيني وبين طالبة كانت تجادلني في درجتها وترى أنها تستحق الامتياز، سألتها: لو أن درجتك كانت امتيازا وكنت تعرفين يقينا أنك لا تستحقينها فهل ستأتين لتذكري لي ذلك؟ ابتسمت الطالبة وقالت: لا، طبعا·

لا شك أننا نعلم الطلبة بما نقول، ولكننا نعلمهم أكثر بما نفعل، وحين يروننا نفعل ما يجانب الصواب، فإنهم سيتربون على قبوله وإن كانوا في قرارة أنفسهم يعلمون أنه خطأ· نحن لسنا ضد النظام الجديد في التقويم، ولسنا ضد أي خطوة صادقة لتطوير التعليم، والسير به قدما نحو الأفضل· ولكننا ندعو القائمين في وزارة التربية والتعليم إلى إيجاد آليات صحيحة وصادقة لتقويم أداء طلبتنا، وإلى الحزم الصادق الذي يضع نصب عينيه مصلحة أبنائنا والصدق معهم وتربيتهم على النزاهة والاجتهاد الحقيقي الذي يهدف إلى التعلم والفائدة وإلى تطوير الذات والمهارات بغض النظر عن الدرجات التي يجب ألا تكون همهم الأول والأخير· فإذا تعلموا أن يقبلوا ما ليس من حقهم وهم على مقاعد الدراسة فإنهم سيفعلون ذلك وهم على أي مقعد من مقاعد المسؤولية حين يكبرون، فمن أجل الوطن الذي نحبه، ومن أجل المصلحة العامة التي توحدنا رغم اختلافاتنا في الرؤى والأفكار والمصالح لنصحح أخطاءنا، ولنكن صادقين في تقويم كل تجربة جديدة نطبقها، فنعزز نقاط القوة فيها، ونعالج نقاط الضعف، بإيجابية وصدق وحرص·

* جامعة الإمارات

Ltfibrahim@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

بين النفط والغاز!:
د. محمد عبدالله المطوع
العناصر الإيجابية ي مؤسسات الدولة:
فيصل عبدالله عبدالنبي
كيف تركب الموجة؟!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
"المحكومين مرآة للحاكمين":
محمد بو شهري
تحية:
على محمود خاجه
موسم الحروب الأهلية الحالية:
د. نسرين مراد
الداخلية والحاجة لدورات أخلاقية:
المهندس محمد فهد الظفيري
والجدار أيضا إرهاب!!:
عبدالله عيسى الموسوي
الشجاعة في تقويم تجاربنا:
د. لطيفة النجار
مقتطفات وورديات حولية:
أحمد سعود المطرود
إلى جنات الخلد يا عبدالعزيز:
محمد جوهر حيات