مهما كانت النوايا والأهداف والمصالح الأمريكية على المستوى المنظور أو المستقبلي والنتائج التي تريد تحقيقها من وراء إسقاط نظام صدام حسين ودخول العراق واحتلاله وفق القانون الدولي الذي يطلق صفة المحتل على الدولة التي تسيطر وتهيمن على بلد معين وتدير شؤونه، فالمواطن العراقي - الذي يملك عقلا وقلبا ولديه شعور وإحساس بآدميته وكرامته في أنه إنسان حر خلق ليتمتع بحياته ويعيشها كيفما شاء بضوابط إنسانية وقوانين تنظم مسيرته وعلاقته بالغير - لا بد أن يعتبر أن دخول العراق وإسقاط نظام صدام حسين واحتلاله تحرير، فهو تحرير للإنسان العراقي وهو حلم تحقق ومعجزة قلما تحدث· لم يتمكن الشعب العراقي من تحقيقها عبر نضاله الطويل وتضحياته الكبيرة وما كان هذا الحلم ليتحقق لولا التدخل الأمريكي والاحتلال الذي يستطيع الشعب العراقي التحرر منه لأنه أجنبي بينما لم يتمكن من التحرر من نظام البعث العراقي كونه عراقياً وطنياً·
فلقد تحرر رجل الدين وعاد ليمارس شعائره ومواعظه وصلواته، ولقد تحررت الأحزاب والتنظيمات وعادت تمارس نشاطاتها وفاعلياتها ونشر أهدافها، ولقد تحرر الكتّاب وعادوا يسطرون بأقلامهم آراءهم حول ما يجري، وعاد المهندس ليصمم وينفذ حسب دراسته والنظريات التي تعلمها لا فيما يفرض عليه ويعاقب إن هو خالفه، ولقد عاد المواطن العراقي الكادح والشعبي لممارسة عاداته في زيارته لأقربائه والجلوس على القهوة والتحدث بعفوية والتعليق على الأحداث اليومية التي يتعرض لها ويصادفها، نعم لقد تحرر العراق وسقط الطاغية، وتنفس الشعب العراقي الصعداء، وتبسم الأطفال وتفتحت الأزهار ونطق الأبكم وسمع الأصم صوت الغناء وفتح الأعمى ليرى مباهج الحياة، وبمفهوم أوضح عاد الشعب العراقي ليمارس دوره كشعب، أي عاد للحياة بعد فترة سبات ناهزت الخمسين عاماً·
وحتى تكتمل فرحة الشعب العراقي بالتحرير عليهم أن لا يسيروا نحو التقسيم الطائفي والعرقي والمذهبي والديني، فإن هم ساروا نحو هذا الاتجاه فهم بلا شك سائرون نحو الطريق الخطأ، عندها يمكن أن نقول إن النظام البائد لا يختلف عنهم، فلا يمكن لمجتمع أن يتطور ويتقدم في ظل مثل هذه الممارسات فبقدر ما نبتعد عن التقسيمات المذهبية والطائفية والدينية والقومية نقترب من الديمقراطية والعدالة والعكس صحيح في بلد مثل العراق مختلف القوميات والأديان والمذاهب، وحتى لو كانت الإدارة الأمريكية تعيش مأزقا حقيقيا في وجودها في العراق إلا أن الشعب العراقي هو المستفيد من هذا التحرير - أو حسب القانون الدولي الاحتلال - الذي يصب في مصلحة الشعب العراقي حتى لو خسر الأمريكيون·
nayef@taleea.com |