بقلوب مفجوعة ودعت الكويت ابنا بارا عزيزا من أبنائها· وفاة المغفور له حمد ابن الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، بالنسبة لأحبائه وأصدقائه وأنا واحد منهم، لم تكن مفاجئة فمنذ فترة داهمه المرض العضال وبعد معاناة طلب العلاج في الكويت وفرنسا والولايات المتحدة قرر الأطباء تلاشي أمل الشفاء، وما كنا نخشاه أن تطول فترة معاناة الآلام، ففي سبتمبر الماضي التقيت صدفة في باريس برفيقة عمره أم عمر ولدى سؤالي عن حالة أبو عمر تحدثت بلهجة قلقة لعدم تقدم حالته لدرجة أنه يرفض العلاج وعندما زرته في الفندق أكد لي بأن ما يعانيه من مضاعفات تجعله يمتنع من مواصلة العلاج وأنه حضر الى باريس فقط وفاء لموعد قطعه على نفسه مع الطبيب، شعرت بعد ذلك اللقاء بحزن لم يفارقني من يومها، وما تلا ذلك كان تراجعا في الحالة الصحية حتى بعد ذهابه الى الولايات المتحدة ثم عودته·
معرفتي بالفقيد حمد تعود الى أيام الدراسة بالقاهرة فقد وصلت الى القاهرة قبل تخرجه بسنة أو سنتين وعندما تخرجت أنا وكان هو مديرا لديوان الموظفين طلب مني العمل معه لكن اتجاهي للاقتصاد تغلب، وهو على كل حال لم يطل مقامه في العمل الحكومي، انتقل للعمل في المحاماة وكان من أوائل المخاطرين بالتفرغ لهذه المهنة، التي لم تكن مصدرا مدرا لمداخيل عظيمة كما نسمع عن المحامين في بلاد الغرب·
لم أزامله في عمل سياسي سوى الاستنجاد به وقت الانتخابات التي كان يأخذها مأخذ الجد ويوظف طاقته وما يطلب منه في مساندة من يتفق معه في الرأي والاتجاه، وفي العقدين الماضيين كان يصب جهده وطاقته لمساندة المرحوم سامي المنيس الذي كان يعزه ويقدره·
حمد اليوسف لم يكن من النوع المهادن في رأيه، لم يشتغل بالسياسة، لكن كان صاحب رأي وموقف، وما يميزه عن كل صاحب رأي وموقف صراحته المتناهية، صريح لدرجة إحراج مستمعيه أحيانا وكسب إعجابهم في الوقت نفسه·
حمد كان حريصا على علاقاته الودية، دعواته كانت تشي دائما بكرم مبالغ فيه، تصفه في ذلك أم عمر تلك العزائم كانت تجمع الكثير من الأصدقاء وأحباء حمد الذين يصعب على أي منهم الاعتذار حرجا منه وتكريما له·
جلسات حمد لم تكن مفيدة فقط بل مسلية فهو قارئ نهم وذاكرته حادة وله تحليله للأحداث وللأوضاع المحلية والعربية قد تختلف معه، وقد يكون الخلاف حادا، لكنه يبقى في حدود الاحترام والمودة المتبادلة ويضيف الى ذلك جو الفكاهة والتسلية بما لديه من مخزون الطرف والنكت، والى جانب كل ذلك لا يجزع من النقد ولا يحمل ضغينة لمن اختلف معه، كل ذلك ممزوج بطبيعة أصيلة تشعر بها من خلال الحوار والجدل·
حمد اليوسف لم يكن أخا لأشقائه وشقيقاته بل شاهدته أبا لهم وأخا حميما لكل أقاربه رغم كثرتهم، كان حريصا دائما على لم الشمل·
حمد اليوسف كان ذخيرة قانونية وفكرية وثقافية ليس من السهل تعويضها·
عزائي بالدرجة الأولى لحبيبته ورفيقة حياته أم عمر التي أتألم لحزنها مثلما تألمت لفقدان حمد، والعزاء لأشقائه وشقيقاته الأعزاء الذين سيشعرون بالفراغ الكبير بفقدان حمد·
رحمك الله يا أبا عمر وألهم أحباءك الصبر والسلوان |