لن نستطيع أن نعزل ما حدث في المملكة العربية السعودية أخيرا عن سواه من أعمال العنف والإرهاب التي ميزت المناخ السياسي العربي والإسلامي في الثلاثين عاما الماضية!! ومع تزايد درجة العنف وارتفاع حجم الأضرار البشرية والمادية، نطرح جميعا سؤالنا الأول: ماذا عسانا نفعل تجاه مارد العنف الذي أصبح أشد خطرا وأضخم تكلفة؟
هنالك ولا شك مرحلة أولى وأساسية علينا أن نبدأ منها لكي يكون مسارنا سلسا وسالكا، مرحلة نقد الواقع العربي والإسلامي الذي أفرز واقع العنف المعاصر الآن هي أولى الخطوات الضرورية والحتمية لتأمين مدخل ناضج وفاعل نبدأ منه مشروع إصلاح الوعي العربي والإسلامي·
ونقد الواقع يشترط أولا مجابهة ومواجهة بين الأطراف كلها التي تشكل المجتمع، حكاما ومحكومين رؤساء ومرؤوسين، مثقفين وعوام من خلال حوارات مفتوحة عبر قنوات حوار مشروعة ومنظمة، بمعنى آخر هنالك شرط أساسي للتسوية من خلال فتح حوار بلا خوف وتفكير بلا سراديب مغلقة، ورأي من دون منشورات صفراء مشبوهة!!
أول تلك الحوارات الضرورية يتعلق بوجوب فتح ملف الأسباب غير الأساسية الكامنة وراء مرتكبي حوادث العنف خاصة وأن جميعهم من الشباب وفي مراحل عمرية صغيرة·
يقول الدكتور “حسنين توفيق إبراهيم” في سلسلة أطروحاته للدكتوراه حول ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية إن الشباب بحكم التكوين النفسي والفسيولوجي أكثر حساسية إزاء المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وأكثر استعدادا للاستجابة العنيفة وتشكل بعض مظاهر الأزمة المجتمعية التي تعانيها المجتمعات العربية مثل أزمة الهوية، وغياب القدوة السلوكية، واهتزاز القيم والمعايير، وتزعزع الثقة في النظم والحكام وتزايد الإحساس بالفراغ الفكري والثقافي، هذه العوامل تشكل قوة دافعة لعنف الشباب كأسلوب للرفض والاحتجاج!! كما أن انتماء أغلب أعضاء هذه الجماعات الى الطبقات الوسطى والدنيا في المجتمع، وهي الطبقات التي تعاني أكثر من غيرها من جراء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية يؤدي الى زيادة إحباطهم لذلك يغلب العنف على ردود أفعالهم!!
ثم يتحدث الدكتور “حسنين توفيق” عن دور الطلبة في الدول العربية في حركات العنف بشكل عام، لكنه يبرر غياب دور الطلبة في أحداث العنف في دول مجلس التعاون بسبب ضعف القاعدة الطلابية في هذه الدول، بحكم محدودية عدد السكان وحداثة المؤسسات التعليمية والجامعية فيها، كما أن الثروة النفطية قد مكنت النظم السياسية من الاستجابة للحاجات المادية للشباب وإشباع طموحاتهم واستيعاب المتعلمين منهم في وظائف ذات عائد مغر، كما أن سيادة الولاءات العشائرية والقبلية في هذه الأقطار، وعدم تبلور القوى السياسية والتيارات الفكرية فيها لا يفسح المجال للعنف السياسي·
إذا وبحسب رؤية الدكتور “حسنين توفيق” فإن العنف ومظاهره لدى شريحة الشباب في دول الخليج كان كامنا تحت عمليات “الترضية” المادية المستمرة لتلك الشريحة من المجتمع، مما يعني أن خروج مارد العنف من قلب شريحة الشباب في دول الخليج أخيرا قد يكون مؤشرا الى تضاؤل عمليات الترضية لأسباب متفاوتة ومختلفة، أهمها على الإطلاق تراجع الوفرة المالية في دول الخليج مع تزايد الكثافة السكانية، مما جعل من الصعب على دول الخليج وأنظمتها السياسية الاستمرار في رشوة بعض فئات المجتمع بهدف تحييدهم أو كسب مواقفهم وبالتحديد فئة الشباب المليء بالطاقة والمتطلبات الثقافية والفكرية وما الى ذلك من عناصر أساسية في بناء شخصية الفرد، إن أي تعامل مع مسألة العنف في المجتمع الخليجي ستكون حتما عقيمة ما لم يدرج ضمن بنودها قضية البناء الخطأ لشخصية الناشئة من الشباب الذين بدؤوا يدركون الواقع الذي كثيرا ما تم استثناؤهم منه ودفعهم الى حافته وهوامشه فأصبحوا مهمشين اجتماعيا ووظيفيا وفكريا من دون أن يملكوا الأدوات المشروعة لرفضه والخروج عليه، فكان أن وجدوا ضالتهم في حركات سياسية طموحة جعلتهم الحطب الذي توقد منه نار تلك الحركات السياسية، والهشيم الذي غالبا ما يمحو به الآخرون بصماتهم، إن نقد الواقع الخليجي الذي أفرز تلك الرؤى الشبابية العنيفة هو أول المشاريع نحو خروج مضمون من دائرة العنف الخليجي الضيقة· |