فتحت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي ملف الأموال الخيرية ولم تغلقه بعد، وذلك بسبب عدم وضوح الرؤية بعد فيما يجوز ولا يجوز على اللجان الخيرية تحريه في سعيها لعمل الخير!! وقد انعكست تلك الرؤية الرمادية على أهل الخير في الكويت الذين أصبحوا أكثر تدقيقاً وتحرياً عند بذل أموالهم طلباً لمرضاة الله وإرضاءً لحاجة ذوي الفاقة من الفقراء والمحتاجين والمتعففين!!
لقد سبق وأن عبر الكثير عن استيائهم لتركيز اللجان الخيرية المفرط والمبالغ فيه في أحيان كثيرة على احتياجات الخارج أكثر بكثير من تلبيتها لاحتياجات الداخل، وعلى الرغم من محاولة الكثير واجتهادهم لتنبيه الجهات المعنية إلى مغبة الإسراف في التذكير والتركيز على احتياجات الآخرين من خارج أهل القربى والمستحقين للمعروف وللصدقة!!
الآن وفي أعقاب أحداث سبتمبر الدامية تبدلت الأوضاع وبشكل كبير بفعل الضغط الدولي من جهة، والصحوة الشعبية من جهة أخرى· بعد أن اتضحت صورة وطبيعة (الجهاد) في أفغانستان وبعد أن شاهدنا الحقيقة عبر الأقمار الصناعية وعلى أجهزة وشاشات التلفزيون· حقيقة الصراع السياسي والعرقي والطائفي في أفغانستان الذي من المؤسف أن يُنسب لروح الجهاد في الإسلام أو أن يكون مثالاً أو عنواناً له!!
لقد أيقن الكثير بعد أحداث أفغانستان أن لأهل البيت والقربى أولوية في أموال الخير والصدقات· وأن هنالك مشاريع خيرية كثيرة في انتظار مبادرة القائمين على اللجان الخيرية· مشاريع تعليمية مثل تزويد المدارس بالأجهزة التعليمية الحديثة، أو مساعدة غير محددي الجنسية على الالتحاق بالمدارس الخاصة، خصوصاً وأن هناك الآلاف من هؤلاء البسطاء والمظلومين الذين لا يستطيعون إتمام تعليمهم لظروف مالية بحتة!! هنالك أيضاً المشاريع الصحية التي ينتظر بعضها من أهل الخير لفتة كريمة وخيّرة كتجهيز المستشفيات بما ينقص من معدات وأجهزة، أو توفير العلاج للمحتاجين ممن تفرض عليهم الدولة رسوماً مقابل العلاج والتطبيب!!
لن نذكّر بالمجالات الكثيرة لتوظيف أموال الزكوات والخيرات لأنها قطعاً ليست بخافية على القائمين على لجان الخير والتبرعات ولكننا نود هنا أن نُثني على كل الجهود التي تكثفت أخيراً لتنقية عمل الخير من كل الشوائب الدنيوية الزائفة والمجحفة بحقه!!
لقد أكدت الكشوفات الأخيرة أن هناك الكثير من الجمعيات واللجان غير المرخصة· وهذه لن يكون من الصعب معالجة عدم شرعيتها· لكن الصعوبة تأتي من قنوات الخير الخاضعة فعلياً للرقابة الحكومية المباشرة والتي لم تسلم على الرغم من تلك الرقابة من عبث بعض ذوي النفوس المريضة والشاذة!! وقد كان أبرزها تلك التجاوزات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة عن الأمانة العامة للأوقاف عن السنتين الماليتين 98/97 و99/98· حيث قرر وزير الأوقاف آنذاك الدكتور سعد الهاشل تشكيل لجنة لتقصي الحقائق للنظر في تلك التجاوزات التي قُدرت يومها بمليونين ونصف المليون دينار!!
الأمانة العامة والصناديق الوقفية كانت يومها تحت الإشراف الحكومي المباشر، حيث تتبع وزارة الأوقاف وهي الجهة المسؤولة عنها، ولم يمنع ذلك الإشراف تلك التجاوزات وغيرها الكثير!! ففي يونيو 2000 نشرت جريدة “الطليعة” تحقيقاً حول تجاوزات الوقف كشفت فيه بعد قراءة وتفحص بيانات الدعم والمنح التي قدمتها الأمانة العامة للأوقاف في الفترة من 1994 إلى عام 1998 حيث تبين أن هناك مبالغ كبيرة كانت من نصيب الجمعيات الدينية بفروعها ولجانها وأفرادها وجمعيات النفع العام الخاضعة لها وحتى أتباعها ممن يؤسس شركات خاصة، فعلى سبيل المثال، تم منح جمعية الإصلاح الاجتماعي (6300) دينار لدعم إيجارات مقر لجنة المناصرة الخيرية، وأيضاً (2000) دينار لتجهيز مقر اللجنة النسائية لفرع خيطان، و(2000) أخرى دعما للجنة ربوة الأمان النسائية كما تلقت لجنة مصابيح الهدى مبلغ (7500) دينار بالإضافة إلى (5000) لمشروع الفرحة التابع للجنة مصابيح الهدى· و(1000) دينار لدعم مصاريف الافتتاح لمقر لجنة العمل الاجتماعي في الصباحية و(5000) دينار لمهرجان الأنشودة في لجنة العمل الاجتماعي في الأندلس! كما تم منح جمعية المعلمين مبلغ (57) ألف دينار أما جمعية النجاة الخيرية فقد تلقت أكثر من 120 ألف دينار· أما الهيئة الخيرية الإسلامية فقد وصل نصيبها من أموال الوقف تقريباً (165) ألف دينار·
تفاصيل كثيرة تتعلق بفضائح الوقف وتجاوزاته وفقاً للمذكرة المرفوعة إلى النيابة العامة والتي نشرتها “الطليعة” بالتفصيل في عددها الصادر في تاريخ 13 يونيو 2000!! فإذا كان ذلك هو حجم تجاوزات هيئة يُفترض أن تكون خاضعة للإشراف والرقابة الحكومية، فما هو يا ترى نصيب مئات اللجان المتخفية من التجاوزات!! سؤال يتبادر إلى ذهن كل أهل الخير وهم يتابعون الصراع الأفغاني الدامي والممول من قبل لجان خفية ومستترة!! |