عندما تسمع كلام النواب في البرلمان من خلال تعليقاتهم ومداخلاتهم واستجواباتهم، تجد أن بعضهم ممن قلبهم محروق على البلد ولديهم همة عالية في إصلاح الأمور، يشيرون دائما لنقطة مهمة وهي حواشي كبار المسؤولين، ومن البديهي أن الحاشية لها تأثير كبير في السلطة، ولقد كثرت المقالات وأحاديث الدواوين حول حواشي كبار المسؤولين بالدولة، وتنبيه كل مسؤول على أن يختار خيرة الناس ضمن حاشيته لكي يكونوا خير معين له على تطبيق الدستور والقانون، حتى إن أصحاب المناهج السياسية وأنظمة الحكم أعطوا للحاشية ودورها الأهمية الكبرى، وكمثال من التراث السياسي في الإسلام، لو اطلعنا على (عهد الأشتر) وهو شبه دستور ونظام للحكم كتبه الإمام علي بن أبي طالب (ع) لواليه على مصر (مالك الأشتر النخعي) نرى أن الإمام علي (ع) نبه مالكا على أنه هو، وحده، المسؤول عن مآل القرارات، على الرغم من أنه يشارك في اتخاذ القرار مع مستشاريه، ولذلك عليه أن يكون بالغ الحيطة مع الذين يكونون موضع ثقته، إذ يقول له: (والصق بأهل الورع والصدق ثم رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو، وتدني من العزة)·
وأما في التراث السياسي الغربي فنجد أن المفكر السياسي الإيطالي الشهير ميكافيللي يتكلم في كتابه (الأمير) حول الحاشية فيقول: (لا أود أن أغفل مسألة بالغة الأهمية تتعلق بخطر داهم على الأمراء تجنبه، مالم يكونوا حصيفين وحكماء في اختيار وزرائهم، وأعني بذلك المتملقين الذين تعج بهم البلاطات، فهناك طريقة واحدة فقط للاحتراس من الإطراء، وهذه الطريقة هي أن تشيع أنك لن تغتاظ من الكلام الصريح)·
ولو تصفحنا التاريخ وحياة العظماء من سياسيين استطاعوا إحداث تأثير إيجابي في مجتمعاتهم، نجد أن الذين حولهم كانوا من المخلصين والكفاءات التي كانت خير معين للقائد في إصلاحه وتطويره للبلاد، وعلى ذلك لربما بعض المسؤولين لا يعلمون عن أخطاء حواشيهم، أو هل يبلون البلاء الحسن في مناصبهم أم لا، أقترح إنشاء لجنة شعبية يشرف عليها مجلس الأمة (طبعا النواب الأكفاء في هذا الأمر) وتكون هذه اللجنة أحد أذرع البرلمان الرقابية ويكون لها منتدى بالإنترنت تقسم مواضيعه حسب الوزارات وإدارات الدولة ويكتب به المواطن أي تجاوز قانوني يراه من أحد أفراد حواشي كبار مسؤولي الدولة أو المسؤولين أنفسهم (إذ إن كل مسؤول يوجد من هو فوقه) وعلى ضوء ذلك يتحقق أعضاء البرلمان والمسؤول عن هذه الإدارة من مصداقية ما كتب، وهذه اللجنة سوف تكون كعين رقابية من قبل المواطنين يتاح من خلالها تنبيه المسؤولين حول السلبيات في إداراتهم أو ما يرتكبه مَنْ حولهم، وهذه اللجنة سوف تلقي الحجة على كل مسؤول يقول لا أعلم عن ممارسات مَن حولي أو ما يحدث بإداراتي· وليعلم كل مواطن أنه عندما يرى تجاوزا من أحد المسؤولين أو ممن هم حوله ويسكت ويقول لا فائدة من الكلام وأن غيرنا تكلم وصاح ولكن لم يسمع له أحد ولم تصلح الأمور، فهذا هو، بحد ذاته، تشجيع للاستمرار في الخطأ، فلو أن كل مواطن يرى تجاوزا فيثيره بالصحافة والبرلمان ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني المعنية ومن خلال (اللجنة الشعبية لمراقبة أداء المسؤولين وحواشيهم في تطبيق القانون) التي نتمنى أن يتبناها أصحاب الاختصاص وترى النور قريبا، فبهذه الطريقة يتطور المجتمع ويشعر كل مسؤول أنه لو تجاوز على حق أي مواطن فإن نتائج هذا التجاوز سوف تكون وخيمة ولن تمر دون رادع قانوني· وتذكروا دائما أن المجتمع الصالح يصنعه الفرد الصالح، والمجتمع المنظم يصنعه مواطنون يحبون النظام، والمجتمع القانوني يصنعه مواطنون يصرون على تطبيق القانون على الجميع دون تمييز أو محاباة لأحد·
machaki@taleea.com |