خمسون عاما من النضال الدؤوب بصماتها المضيئة محفورة في ذاكرة الوطن، خمسون عاما على تنظيمٍ لعب ومنذ منتصف الخمسينات دورا بارزا في الدفاع عن الحرية والاستقلال وحقوق الطبقة العاملة وسائر الكادحين والمثقفين، خمسون عاما من التألق والعطاء لهذا الفكر المرتبط بالمستقبل والأمل لم ينكس راية النضال أبداً، بدأت فكرة تأسيس الجبهة منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي حين قامت مجموعة من الرواد الأوائل من العمال المتسلحين بالفكر العملي ببث الوعي الطبقي في أوساط الطبقة العاملة المتكونة آنذاك في شركة النفط "بابكو" وشركات الإنشاءات التي تقوم ببعض الأعمال للشركة الاحتكارية مثل "أكمي" وكان لهؤلاء الرواد "حسن نظام، وعلي مدان" الدور الأساسي في تكوين الخلايا العمالية التي كانت بمثابة النواة لإعلان تأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية في عام 1955م·
لقد عرض شعب البحرين جبهة التحرير كحزب ملتزم بالنهج العلمي والعقلانية وبواجباته الوطنية والأممية وكحزب عنيد في الدفاع عن حقوق هذا الشعب بغض النظر عن الجنس والطائفة والمذهب، وقد تجلى هذا الدور منذ الإعلان عن تأسيس الجبهة في الخامس عشر من فبراير عام 1955م ومنذ أن رفعت شعارات الجبهة في هدفها إسقاط الحماية البريطانية الاستعمارية وإنهاء القواعد العسكرية، وإرجاع المنفيين من هيئة الاتحاد الوطني وإطلاق سجناء هذه الهىئة، وكذلك تم الإعلان عن أول برنامج لها عام 1962، برنامج الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والسلم مع الفصائل الوطنية الأخرى في خضم الصراع البطولي ضد المستعمر البريطاني· لقد انخرطت جبهة التحرير في النضال الوطني بعزيمة لا تعرف الكلل ومن هنا ضربت الأمثلة في البطولة والصمود ولا سيما في انتفاضة مارس المجيدة عام 1965 التي شارك فيها العمال وجميع الكادحين والطلاب والمثقفين لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة والمتردية التي كانت تعاني منها غالبية الشعب وللتصدي لمخططات شركة نفط البحرين الأمريكية "بابكو" المراقبة إلى طرد ألف وخمسمئة عامل من خدمتها، وقد قامت جبهة التحرير والفصائل الأخرى بقيادة هذه الانتفاضة التي امتدت على مدى ثلاثة أشهر وشملت مدن وقرى البحرين والتي استشهد فيها خيرة من أبناء هذا الشعب وجرح العشرات، وكانت هذه الانتفاضة نقطة تحول في سير الحركة الوطنية حيث استلمت الطبقة العاملة قيادة هذه الحركة وقد استعمل السلاح في هذه الانتفاضة للمرة الأولى في الرد على هجمة البوليس والجنود البريطانيين الذين شاركوا في قمع الانتفاضة في خضم النضال الجماهيري التحريري الذي خاضته الجبهة كان عام 1971 محطة مهمة في هذه المسيرة بغرض الاستقلال الوطني دفاعا عن مطالب الشعب السياسية ولمواجهة الشركات الاحتكارية لتأمين حقوق الطبقة العاملة في التنظيم النقابي وتحسين ظروف المعيشة وإطلاق الحريات والديمقراطية لعموم الشعب كانت في مقدمة التحرك العمالي 1972 الانتفاضة التي أفرزت وعيا عماليا متطورا لعب دورا مرموقا في الدفاع عن مطالب الكادحين بصفة خاصة والجماهير بصفة عامة، وكان دور الجبهة واضحا في مراحل نضالها المتلاحقة وخصوصا عندما دعيت للمشاركة في انتخاب المجلس الوطني من أجل فرص الحياة الديمقراطية عام 1973 وكشف انتصار كتلة "الشعب" في الانتخابات عن صحة شعار المشاركة وعن تحمل المسؤولية بوضوح لتحقيق مطالب الجماهير السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان هذا الدور النضالي أكثر وضوحا عام 1974 عندما تصاعد النضال بعد فوز كتلة الشعب من أجل المطالب الديمقراطية والنقابية التي على ضوئها تكونت لجان تأسيسية لأربع نقابات عمالية وهي نقابة عمال ألبا والصحة والإنشاء واحتفلت الطبقة العاملة وللمرة الأولى بعيد أول مايو وانتزعت بعض المكاسب العمالية المطلبية وأصبح هناك بفضل الدستور المقنن حدا أدنى من الحريات العامة· وبعد الاعتقالات الواسعة التي تلت هذا الانتصار سن قانون تدابير أمن الدولة سيىء الصيت وبعد أن رفض المجلس الوطني بأغلبيته وتحديدا كتلة الشعب والنواب الوطنية في المجلس بأن لا يمر هذا القانون والقوانين الأخرى الرافضين للحريات العامة فضلا عن رفض المجلس بأغلبيته وجود القواعد الأمريكية تعرضت جبهة التحرير والقوى الوطنية الأخرى والنقابيين والمهنيين والشخصيات الوطنية والثقافية والاجتماعية إلى حملة اعتقالات واسعة وإلى انتهاكات سادها القمع والإرهاب بسبب الدفاع الثابت عن مصالح عمال وكادحي البلاد وأماني الشعب الوطنية والديمقراطية وفي هذه المناسبة السعيدة أي احتفالنا بالذكرى الخمسين لتأسيس جبهة التحرير الوطني المناسبة العزيزة على قلوبنا جميعا والتي لم تنطلق من فراغ وإنما من تاريخ طويل من النضال والتضحيات· فتحية للجبهة في ذكرى يوبيلها الذهبي·
*كاتب بحريني |