رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 يوليو 2007
العدد 1781

رأي الطليعة
دروس الاستجواب

والآن بعد أن انتهت معركة الاستجواب باستقالة وزير النفط بعد أن أصبح نزع الثقة مصيرا محتوما، وهذه الاستقالة التي جاءت بعد شهر من السجال والمناوشات، ألم يكن من الأفضل لو أنها جاءت قبل تقديم الاستجواب تطبيقا لأصول العمل السياسي والتقاليد البرلمانية الديمقراطية التي تقضي بأن الوزير يتحمل وزر أخطائه·

والآن ما الدروس المستفادة من السجال السياسي الذي استمر على مدى ستة الأسابيع الماضية؟

أولا: علينا القبول بالآليات الدستورية عند تفعيلها التزاما بقواعد اللعبة الديمقراطية وأن تقبل بما تفرزه من نتائج· حتى لو شابت الممارسة البرلمانية أخطاء أو تعسفا، فذلك يصحح من خلال الانتقاد وبتعبير الرأي العام الذي على مدى نضجه يتم الفرز بين السوي والمنحرف ويحاسب بصندوق الانتخاب، ولذلك فإن التلويح أو التهديد بحل المجلس، كما جرى له، سواء حلا دستوريا أو غير دستوري بتعليق الدستور موقف خاطىء، وتجاربنا أثبتت أن مثل هذا الإجراء لم يثمر إلا نتائج سلبية بل مدمرة على الاستقرار والتنمية ويفتح الأبواب لشيوع الفساد وسرقة الأموال العامة، وهو ما نعاني منه حتى الآن·

ثانيا: إن ما يعيق التنمية ويعرقل نهضة الكويت ليس ضجيج المجلس ولا الصحافة دون أن يعني ذلك غض النظر أو الإعفاء من أخطاء ترتكب وبعضها جسيم في هاتين المؤسستين، لكن الخلل الأكبر المعوق للتنمية هو غياب حسن إدارة شؤون البلد وهو من اختصاص السلطة التنفيذية التي أوكل لها الدستور الهيمنة على مصالح الدولة·

ثالثا: حسن إدارة شؤون البلد تتطلب أمرين حسن اختيار الوزراء والالتزام بتطبيق القانون بحزم وصرامة دون تهاون· فمعظم مشاكلنا من غياب هذين الأمرين·

اختيار الوزاء يجب أن يكون على أساس معايير الكفاءة والقدرة والنزاهة· وحالة وزير النفط علي الجراح هي مثال بارز لعدم الالتزام بهذه المعايير· ومع كل الاحترام والتقدير لشخصه، إلا أن سجله المهني سواء عندما كان في القطاع المصرفي أو عندما تولى وزارة الكهرباء لا يشهد بكفاءة الرجل، وقد قيل إن توزيره له علاقة بما أثاره مشعل الجراح، والأكثر من ذلك أن علاقته بالمتهم الخامس كانت معروفة وكشف عنها فيما بعد بتصريحه، ومعيار النزاهة كان يقتضي منه ألا يقبل بتولي وزارة النفط وهو يعلم عن قضية اتهام ابن عمه وأستاذه في اختلاسات الناقلات، وللسبب نفسه ما كان ينبغى على سمو رئيس الوزراء والقيادة السياسية اختياره لوزارة النفط، والمشاكل التي حصلت هي نتاج بديهي وطبيعي لقرار اختياره وكل من له بصيرة توقع أن يحصل ما حصل إن آجلا أو عاجلا· والاسرة الحاكمة حملت نفسها في قضية الجراح وزرا كان يجب تجنبه، فموقف الأسرة والقيادة السياسية قرئ على أساس أن ما ينطبق على الوزراء العاديين لاينطبق على الوزراء الشيوخ وإذا سمح بحالة كما حصل لأحمد العبدالله فاستمراره غير مقبول، فاستقالة محمود النوري ومحمد السنعوسي وقبلهم يوسف الإبراهيم، أمور عادية لكن الأمر مختلف عندما يكون موضع المساءلة أحد الشيوخ وهذا ليس في صالح الأسرة الحاكمة ولاتعزيز هيبة الحكم ويلقى ظلالا على حنكة القيادة السياسية·

رابعا: إن الملاذ الذي تستظل به الكويت هو الدستور وسيادة القانون وهو الإطار والقاعدة للاستقرار وبناء التنمية وتشييد المجتمع العادل الذي يشعر فيه المواطنون كلهم بأن حقوقهم محمية· والالتزام بالتطبيق الحازم للقانون هو أداتنا في محاربة الفساد والتعدي على الأموال العامة· واحترام القانون يبدأ بعدم التدخل بالعملية الانتخابية سواء استخدام المال السياسي أو الخدمات الحكومية، ويمتد إلى التصدي لكافة أنواع المخالفات سواء كانت مخالفات إدارية أو تعديات على أملاك الدولة صغيرها أو كبيرها· والمؤسف أننا نعاني كل هذه الأمراض·

خامسا: إن الأسرة الحاكمة في الكويت تتمتع بمكانة خاصة اجتماعيا وسياسيا وهو ما يضع في يدها نفوذا استثنائيا· وعلى الرغم من مضي أكثر من أربعين عاما على نظامنا الدستوري وما أنتجه من مؤسسات، إلا أن واقع الحال يقول بأن صنع القرار أو ثلاثة أرباعه على الأقل هي بيد الأسرة الحاكمة، والحركة الشعبية بكل مؤسساتها من برلمان وصحافة وجمعيات نفع عام تنزع لتطويع سلطة ونفوذ الأسرة الحاكمة لكي تمارس ضمن القانون لكن مازلنا في بداية الطريق·

هذا الوضع المميز الذي يعطي الأسرة الحاكمة نفوذا استثنائيا ويمكنها من ممارسة اختراق القانون سواء التدخل في الانتخابات أو التعيين في المناصب الإدارية أو التعدي على الأموال العامة وأراضي الدولة، أو صراع الأجنحة والشخصيات، هذا الوضع سيبقى حقلا خصبا لإنتاج المشاكل والصراعات والصدامات، وما يحدث في مجلس الأمة من سجال سينعكس أحيانا بتقديم استجوابات ما هو في الحقيقة إلا نتاج لعوامل وأسباب عميقة أشرنا لبعضها·

ولذلك فمطالبة سمو رئيس الوزراء بقوله يكفينا خلافات ولنتجه للتعاون تتطلب التوجه بالعلاج الحازم للعوامل المغروسة في العمق تحت سطح الاحتقان السياسي الظاهر·

�����